كلية التربية
قسم اصول التربية
ما
بعد الحداثة والتربية
ورقة عمل مقدمة إلى
المؤتمر العلمى الاول
لقسم اصول التربية
"التربية فى مجتمع ما بعد الحداثة"
كلية التربية - جامعة بنها
الفترة من 21-22يوليو 2010
إعداد
ا
د/ جمال على الدهشان
أستاذ
أصول التربية
ووكيل
الكلية للدراسات العليا والبحوث
كلية
التربية - جامعة المنوفية
مقدمة:
نعيش الآن على أبواب عصر أو عالم جديد،
بدا يتخلق منذ سنوات في خفية من الأعين ولم تتضح معالمه الا منذ عقود قليلة ، وهو
يعبر عن روح جديدة للعصر القادم في القرن الحادي والعشرين ، هذا العصر أطلقت عليه
مسميات عديدة ، عصر العولمة ، وما بعد الحداثة ، عصر المعرفة واللايقين ، عصر
العلم والنسبوية ، عصر الترابط الكوني وصدام الحضارات ، عصر الاعتراف بالآخر
وإذابة هويته ، عصر التحرر والهيمنة، إنه "عصر المتناقضات")1( ، هذا العصر يرفع شعار نهاية عصر الحداثة الغربي،
الذي بدا مع عصر التنوير واستمر حتى القرن العشرين ، والذي قام على أساس الفردية
والعقلانية والاعتماد على العلم والتكنولوجيا)2( ، ويفتح
الباب لظهور حقبة او عصر ما بعد الحداثة والذى ستحكمه مبادىء مغايرة ، من
اهمها نهاية عهد الكيانات الكبرى ، وسقوط الحتمية فى التاريخ والمجتمع ، وانفتاح
كل الخيارات امام الانسان فى اطار من التعددية الفكرية الطليقة التى
لايحدها اى حد ، وسقوط اليات العمل الساسى
التقليدية وظهور اليات جديدة تتبناها الجماهير وتتحدى بها هيمنة وسيطرة النخب
السياسية، وظهور اشكال جديدة فى العمارة والفن والادب والمسرح والسينما وتكون
تعبيرا عن روح العصر الجديد. )3(
فلقد فرضت الأحداث الكبرى التي شهدها
القرن العشرين تغيرات فكرية لمقولات كادت أن تكون ثابتة ومطلقة لا تقبل الشك في الفكر
الإنساني
، تشكلت
في أثرها رؤى جديدة تعبر عن حركة ثقافية ظهرت مؤشراتها في تيار فكرى جديد يشير إلى
سقوط النظريات الكبرى ويشكك فيما هو يقين ومطلق ويرفض فكرة الحتمية التاريخية والطبيعية
ويجادل في مسائل التقدم الإنساني.)4(
يضاف إلى ذلك أن الثورة المعرفية في
مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات قد ساعدت في نقل الفكر من الحداثة إلى ما بعد
الحداثة ، حيث الانتقال من حالة الإشباع المادي إلى حالة الإشباع المعنوي ،الأمر
الذي دفع ببعض الباحثين إلى الزعم بأن مشروع الحداثة قد وصل إلى نهايته ، وما
علينا إلا الانتقال إلى مرحلة جديدة وفكر جديد وهى مرحلة ما بعد الحداثة)5(.
وفى رأى بعض الباحثين
ان ما بعد الحداثة لا تعبر فقط عن المشروع الحضاري الجديد الذي يتشكل داخل الحضارة
الغربية ، وإنما هى وصف للمجتمعات الغربية الراهنة ، التي توصف بأنها مجتمعات ما
بعد حداثية، تقوم أساسا على تفكيك مؤسسات المجتمع الجماهيري ، وتقليص دور الدولة،
وإتاحة الفرصة كاملة للفرد لكي يمارس بحرية اختياراته الوجودية والحياتية والمهنية
والاجتماعية، وهى مجتمعات تقوم على إحياء المجتمعات المحلية، وإتاحة الفرصة
الكاملة لها للمشاركة في اتخاذ القرار، وهى بالإضافة إلى ذلك مجتمعات بدأت تتخلق
فيها مؤسسات مدنية تحاول تحدى هيمنة النخبة السياسية الحاكمة على عملية اتخاذ
القرار، في إطار نقد عنيف لمقولة التمثيل ، وهى أساس الديموقراطية البرلمانية
الغربية حيث يمثل مجموعة من النواب المنتخبين مجموع الشعب، بكل ما يحيط بهذه
العملية من قصور واضح يتضح في نقص
المشاركة السياسية ، وقلة الإقبال على الانتخابات ، مما يشكك في صلاحية هذا النظام
برمته )6( .
فما بعد الحداثة حركة فكرية تقوم علي
نقد, ورفض كثير من الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الحضارة الغربية الحديثة, فهي تري
ان الزمن قد تغير, وأن الظروف العامة قد تجاوزت كل الانجازات نتيجة لتقدم أساليب
الإعلام والاتصال, أي ظهرت حالة جديدة من التاريخ تتطلب قيام نظريات ومفاهيم
تتلاءم مع الأنماط المعرفية الجديدة والتطورات التي طرأت علي النظام الرأسمالي
نفسه خصوصا بعد ازدياد الاتجاه نحو العولمة )7(.
وانطلاقا
من ذلك
يشكل
مفهوم ما بعد
الحداثة فى الوقت الراهن واحدا من أكثر القضايا إلحاحا, حيث يثار حوله جدل واسع
في الغرب والشرق, فبينما المفكرون العرب لايزالون منشغلين في النقاش حول
الحداثة, يفاجئهم بعض المفكرين الغربيين بصياغة تيار فكري آخر يطلق عليه
ما بعد الحداثة ,هذا التيار يقوم علي أساس شن هجوم علي قيم الحداثة الغربية
ومفاهيمها ، وهو ليس بالطبع مجرد نوع من الغلطات النظرية, فهو من بين
أشياء أخري يمثل أيديولوجية الفترة التاريخية الراهنة للحضارة الأنجلو ـ
أمريكية والأوروبية, ويرتبط بقدر من العلاقات الثقافية المتغيرة )8(.
فما
بعد الحداثة مثلها مثل الحداثة ليست مذهبا فكريا اواتجاها فلسفيا ، بل حالة او
مرحلة دخلت اليها البشرية فى سعيها لتاسيس عالم جديد ذى شروط معرفية جديدة تختلف
عما كان سائدا من قبل ، وكما قامت الحداثة على نقد المرحلة او المراحل السابقة
عليها لتؤسس عالما جديدا وفق قواعد العقلانية الفنية التى بسطت سلطانها فكرا
وتطبيقا على شتى الحياة ومن بينها التربية بطبيعةالحال ، فان ما بعد الحداثة قامت
على نقد الحداثة وتحطيم القواعد التى ارتكزت عليها)9( ، ويمكن ان تبسط سلطانها – كذلك - فكرا وتطبيقا على شتى مناحى الحياة
ومن بينها التربية .
والورقة الحالية تسعى الى القاء الضوء على حركة
اوتيار او فكر مابعد الحداثة الذي يتم الترويج له اليوم في الساحة العربية من خلال
مجموعة الكتاب والباحثين ، من خلال استعراض العوامل التى ادت الى ظهوره ، واهم مرتكزاته وخصائصه ، وأبرز ملامح فلسفته ،
وموقفه من التربية ، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:
1-
متى نشا تيار ما بعد
الحداثة ؟ وما العوامل التى ادت الى ظهوره؟
2-
ماالمقصود بمفهوم ما
بعد الحداثة ؟ وما اهم مرتكزاته وخصائصه؟
3-
ما ملامح فلسفة ما
بعد الحداثة ؟ وما موقفها من الوجود والمعرفة ؟
4-
ما ملامح النظام
التربوى فى ظل فلسفة ما بعد الحداثة؟
اولا
: ما بعد الحداثة نشاتها ، وعوامل ظهورها:
على الرغم من ان مفهوم ما بعد الحداثة
قد ظهر بشكل واضح في السبعينيات من القرن العشرين الميلادي، في كتاب الفيلسوف
الفرنسي ليوتارد، (علم ما بعد الحداثة) وعنى بها التعددية الثقافية وتعدد أنماط
الحياة )10
( ، الا ان كثير من الباحثين يرجع أصول هذا المذهب الأولية إلى
الفيلسوف الألماني الملحد نيتشه، الذي نادى بموت الإله، بمعنى موت الاعتقاد بالإله
، والإله بالنسبة لنيتشه هو العالم المتسامي او عالم الأفكار والمثاليات والمطلقات
والكليات والثوابت والقيم الأخلاقية ، إنه التحرر الكامل للإنسان من أي سيطرة لقيم أو ثوابت أو مرجعيات
عقلية)11(.
فلقد كان نيتشه
شكاكا
بدرجة مفرطة، فلم يكتف فقط بأن أنكر أن يكون ما لدينا من معلومات صحيحا، بل أنكر
أن يكون هناك طريقة للوصول للحقيقة أصلا. فهو لا يشكك فيما لدينا من وسائل للمعرفة
بل ينكر أن يكون هناك أمكانية للوصول لحقائق الأمور بتاتا، وقد حمل نيتشه على (المطلق)
ونادى بأن كل العلوم إنما هي اعتقادات ونظرات خاصة ينشؤها كل لنفسه. والمسألة لا
تعدو أن تكون منظورات (وجهات نظر) مختلفة، وليس لأحد الحق، والحالة هذه، بأن يقرر
أن رأيا أصوب من الآخر. فالحياة إذن عبث ، وقد انتهى به الحال إلى الانهيار العقلي
)12
(.
حيث يعتبر" نيتشية" احد
المصادر الرئيسية فى القرن التاسع عشر للأفكار التى تميز الوضع ما بعد الحداثى ,
فالنزعة النسبية الأخلاقية والمعرفية لعالم ما بعد الحداثة ونزعة الريبة (الشك) فى
إمكان تمييز الصدق من الكذب الحقيقة من الزيف نجد نموذجها فى فكر"
نيتشه" العدمى جذريا، ففكر "نيتشه" فى مجمله فكر معادٍ للحداثة ويركز هجومه على
فكرة الذات )13 (.
وقد سار على خطى نيتشه متأثرا به
الفيلسوف الفرنسي مابعد الحداثي ميشيل فوكو، الذي يعتبر من أعمق المفكرين
المعاصرين أثرا في الفكر ما بعد الحداثي، والذي نادى بموت الإنسان، واتخذ موقفا
معاديا للحداثة، من خلال نقد أحادي النظرة يغفل الجوانب الإيجابية. وسعى لبناء
منظور جديد للمجتمع والمعرفة والخطاب والسلطة والعلاقة بينها، مما جعله مصدرا
أساسيا للفكر ما بعد الحداثي، فقد بحث فوكو العلاقة بين السلطة والحقيقة والمعرفة،
وقال بأن المعرفة أثر من آثار السلطة وتتكون بتفاعل اللغة السلطة والمعنى )14
(.
وقد ظهر مصطلح ما بعد الحداثة وبعد
الحداثة فى الاربعينات والخمسينات، وشاع استخدامها فى الستينات كمصطلحين نقديين
لرصد ادق التغييرات الطارئة على المعايير الثقافية، ومن اهم رموزها فريدرك جيمسون ،وجان فرانسوا
ليوتار ، يورجن هابرماس، واندرياس هوبسن ،
وتشارلز جنكس،وجاك دريدا ، والمصرى
ايهاب حسن.
اما فيما يتعلق بأسباب وعوامل ظهور تيار ما
بعد الحداثة:
فان من الامور المسلم به أن التحولات
التاريخية الكبرى، خاصة الفكرية، لا يمكن أن تكون نتيجة لسبب واحد بل عادة ما تحدث
بسبب عوامل متعددة ومتداخلة، لكن يكون من بينها غالبا عوامل أساسية وبارزة التأثير،
حيث يذكر كثير من الباحثين سببين رئيسين لظهور هذا التيار.
السبب
الاول :تطور العلم
فقد أثبتت البحوث العلمية ـ التي كانت
سلاح الحداثة الأكبر ـ بكشوفاتها الهائلة يوما بعد يوم ضآلة ما يعرفه العقل البشري
بالنسبة لما لا يعرفه ، وأكدت تلك الاكتشافات بشكل غير مباشر محدودية عقل الإنسان،
وأنه ليس كما كان يتصور الحداثيون أنه هو "الإله"، بل أكدت على أنه
مخلوق صغير رغم كل قدراته الهائلة، بل إنه يعتريه الضعف والنقص كغيره من المخلوقات،
إلى درجة قد لا يوثق فيها بحكمه في بعض الأحيان، فالاكتشافات العلمية، خصوصا بعد
اكتشاف مبدأ اللا يقين والفيزيا الكمية، بينت بطلان الأوهام التي حيكت عن قدرة
العقل والعلم ، وفندت حتميات القرنين التاسع عشر والعشرين، وكشفت النقاب عن كون
غامض مقدر لجزء منه أن يبقى غامضا، كما وقذفنا بأحجيات لا يستطيع العلم حل ألغازها
داخل أعمق أعماق الحقيقة. وهكذا أصبح العلماء أكثر تواضعا. وأخذوا يتحدثون عن
الكون الغامض بدلا من حديثهم عن التقدم نحو المعرفة الكاملة"، ولذا ترى ما
بعد الحداثة أن العلم محدود وأنه تسبب في شقاء البشرية وأن "العلمية"
وظفت آيديولوجيا لسيطرة الثقافة الغربية على الثقافات الأخرى، وهذا قد يكون صحيحا
لكن لا يعني هذا أن يبخس العلم حقه فالعلم شيء وسوء تطبيقة أو أدلجته شيء آخر )15
(.
هذا بالإضافة إلى ما لطخ به العلم من
أوضار السياسة وتوجيهات السلطة، فينفي هابرماس وجود حياد أو صفاء علمي، فالعلم في
سياق العقلانية التقنية الحداثية تحايثه حسابات السياسة أي إرادة السلطة، بالمفهوم النيتشوي، وهو ما يتطلب نقد الوضعية
والتيارات المعجبة بالعلم والنزعة التقنية، فهذه كلها تعبيرات متنوعة للآيديولوجيا
المكونة للحداثة التقنية )16
(.
فالعلم ـ كما يقول بعض أنصار "ما بعد
الحداثة" ـ الذي هو عماد الحداثة، هو الذي هدم الحداثة و قاد إلى "ما
بعد الحداثة". ففقد الثقة بالعلم قاد إلى ردة فعل تجاه الفلسفة التي كانت
قائمة عليه. ومن هذا نشأ تيار "ما بعد الحداثة".
السبب
الثانى : فقد الثقة بقضية التقدم
مر الغرب بأزمات في القرن والعشرين
وحروب بينت بطلان ما كانت تبشر به الحداثة من المستقبل الزاهر والتقدم الموعود ،
فبعد الحرب العالمية الأولى خرج الغرب محطما ومتهالكا، وفاقدا الثقة بعقيدة التقدم
، يقول وليم إنج "لقد كان الإيمان بالتقدم هو القوة المحركة للغرب طوال ما
يقارب المائة والخمسين عاما، ولقد انتهى الغرب أخيرا إلى إدراك عبثية ذلك الإيمان
وعقمه"، على النقيض من نظرة الحداثة المتفائلة بمستقبل البشرية، تنظر ما بعد
الحداثة بكثير من التشاؤم إلى المستقبل الذي تسير إليه البشرية في ظل النظرة الحداثية،
فترى أنها جرت عليها من الويلات أكثر مما أفادتها )17
(.
وقد وصف جارودي الوضع الذي آل إليه وهم التقدم الحداثي
بقوله: " لقد تهاوت أوهام كثيرة، وهم رخاء الرأسماليه الذى لا حدود له، وهم
الديموقراطية التي كان يتصورها الناس على أنها (جمهوريه الذوات الواعية ) وتصوروا
وجودها يسمو على صالح الأفراد والجماعات، ... وأوهام فلسفيه اخرى تقابل تلك
الأوهام التاريخية: وهم المثالية الطيبة التي تصور العالم على انه عالم شفاف ينعم
بوجود عقل خالق ومنظم له، هذه النزعات التلفيقية ذات النغمة الطيبه في عالم وجدت
جميع المشاكل فيه حلا لها من خلال التأليفات الروحيه واجهت فجأة امتحانا قاسيا في
قلب الحياة نفسها وبتأثير الأفكار التي إنبعثت من هذه الحياة وشاهدنا في بحر سنوات
معدودات ان الفلسفات التي كان قد كتبت لها السياده الكامله حتى ذلك الحين – على
الأقل في الجامعات – قد جرفها الطوفان وانقلبت الليبراليه العقليه إلى إتجاه عدمي
فاشى وتحول المذهب التفاؤلي الى وجوديه
مأساويه" )18(.
ثانيا
المقصود بما بعد الحداثة وخصائصه:
على الرغم من ان مفهوم «مابعد الحداثة»
من العبارات الرائجة في الساحة الفكرية العربية في هذه الأيام فهو يستخدم على نطاق واسع في الدراسات الفكرية والأدبية والنقدية،
وتستند إليه اتجاهات فلسفية متزايدة الحضور والحظوة، كما أن بعض الأوساط والمؤسسات
الثقافية تضطلع بدور المنبر لهذا الاتجاه الجديد، ومنها بعض الهيئات والمنتديات الفاعلة التي تصدر منشورات وأدبيات رائجة ، وعلى الرغم من أن ما بعد الحداثة تشخيص
لكل ما يحدث حولنا ، إلا
أنها لم تعطِ حتى الآن تعريفا ، بل أن هذا المفهوم نادراً ماخضع للتمحيص والتدقيق ، وغالباً ما يستخدم بغموض
وارتجال للتعبير عن دلالات متباينة متغايرة )19(
، حيث تتسم
وجهات النظر حول هذا المفهوم بالكثير من التنوع والتدرج والاختلاف بشكل يصعب معها
إيجاد تعريف واضح ومحدد له ، وهو مادفع كثير من المفكرين الى عدم إعطاء تعريف لـ
"ما بعد الحداثة" لصعوبة ذلك، وتقديم بدلا من ذلك توصيف لاهم الاسس التى
يقوم عليها وذلك بمقارنته بنقيضة "الحداثة".
والواقع ان صعوبة وضع تعريف لهذا المصطلح
الى عدة عوامل نجملها فيما يلى:
1- ان
هذا المصطلح ظهر أو تجلى في دراسات
أومجالات دراسية أكاديمية كثيرة ومتنوعة شملت , الفن , هندسة العمارة , الموسيقى ,
السينما, الأدب , السوسيولوجيا, الاقتصاد , الأزياء, التكنولوجيا...وغيرها , لذلك
من الصعوبة بمكان تحديد موقع مفهوم ما بعد الحداثة , او تحديد بداية ظهوره ، هل هو
معاصر ؟ , أم تاريخي؟ , فتداخله وتشعبه فى التخصصات المعرفية المختلفة يجعل من
الصعوبة وضع تحديد دقيق للمقصود به )20(
، فصعوبة وضع تعريف لهذا المصطلح قد يكون مرده إلى اختلاف
المجالات والتخصصات التي يدخل تحت نطاقها هذا المفهوم وما يترتب على ذلك من اختلاف
تخصصات رواد ما بعد الحداثة ورموزه الفكريين , وتأكيدا لذلك فإن "مفهوم ما
بعد الحداثة قد ساهم فى صياغته مجموعة من المفكرين فى مجالات شتى فى النقد الأدبي
والفن و العمارة والفلسفة والسياسية وعلم الاجتماع" )21(.
2- ان
عالم او تيار ما بعد الحداثة لايزال فى طور التشكيل، ومن ثم فليس هناك تعريف واضح
له اللهم ببيان جذوره الممتدة فى فترة الحداثة او توضيح الخلافات معها، بالتالى
فان تعريف ما بعد الحداثة يتم بالرجوع الى سابقتها الحداثة وليس باعتبارها حركة
منفصلة وحرة مستقلة بذاتها، او باعتبارها مجموعة من الافكار والصور التى يجمعها اسم
يميزما )22( ، فالاسس التى تستند عليها حركة ما بعد الحدثة لازالت محل جدل
ونقاش.
3- ان
مصطلح ما بعد الحداثة لايزال موضوعا لمقاربات ايديولوجية مختلفة فضلا عن خضوعه
لتفسيرات ورؤى متعددة ، ومن هنا فان ما بعد الحداثة من المنظور الفلسفى لاتنتظمها
وجهة نظر واحدة ، فهناك من انصار ما بعد الحداثة التقدميون والمحافظون ، وهناك من
انصار المقاومة و انصار رد الفعل، واذا كانت هناك اسماء بعينها ترتبط الان بحركة
ما بعد الحداثة مثل ليوتار Lyotard
، ودريدا Derrida ، وفوكوFoucault ، ورورتىRorty ،فان المقاربات النظرية عادة ما تعتبر النفكيكية وما بعد
التحليلية والبراجماتية الجديدة ضمن مدارس ما بعد الحداثة،بل ان المدرسة النقدية
التى اخذت موقفا معاديا لحركة ما بعد الحداثة لم تسلم هى الاخرى من تاثيرها)23(.
4- أن
هذا المفهوم نادراً ماخضع للتمحيص والتدقيق، بل غالباً ما يستخدم بغموض
وارتجال للتعبير عن دلالات متباينة متغايرة بحيث يكون تعبير «مابعد الحداثة»
مرادفاً أحياناً لفكر الاختلاف (في الأدبيات الفلسفية) أو مرادفاً لظاهرة العولمة،
أو تجسيداً لأفق وحضارة مختلفة عن العصر الصناعي (كما تفيد بعض الدراسات
المستقبلية). وقد تذهب بعض المقاربات التي استخدم المقولة تبيانا ًلإفلاس الحضارة الغربية
ودليلاً على قرب انهيارها وتقوض أركانها (بعض الكتابات الإسلامية الذائعة) )24(.
5- ان
ما بعد الحداثة مفهوم فضفاض وغامض )25(
، فهناك صور متعددة من ما بعد الحداثة، فهي تتدرج من الموقف
الرافض للغلو العقلاني الوضعي ورفض الاضطهاد الذي تمارسه الثقافة الغربية
بآيديولوجيتها العلمية ، إلى أن تصل إلى ما بعد الحداثة المتطرفة الثورية العدمية
العبثية التي تدعو للثورة على العقل والعقلانية من أساسهما وتصل إلى التشكيك حتى
في البدهيات ، مما حدا بأنصارها إلى الكف عن توضيح ما هي "مابعد
الحداثة" والإنصراف بدلا من ذلك إلى توضيح ما ترفضه ما بعد الحداثة )26(.
6- الاختلاف
حول استخدام مقطع "ما بعد" : فإضافة مقطع "ما
بعد" إلى مفهوم الحداثة قد يفيد الترتيب الزمني كأن تقول ما بعد الكلاسيكية
أو ما بعد الرومانسية أي بداية مرحلة زمنية جديدة , وكذلك تفيد الترتيب المكاني
بمعنى وضعية شئ يأتي مكانيا بعد شئ أخر ، ويرى البعض أن اللازمة "ما
بعد" لا تتوقف عند العلاقة الزمنية بل تشير إلى ترك الإطار السابق عليها
والانفصال عنه )27(, فهى تشير الى ان العالم
دخل مرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها ولم تتحدد بعد ملامحها )28 ( ، إلا أنها فى حقيقة الأمر لابد أن تدل فى ذات الوقت إلى
جانب تلك القطيعة إلى نوع من استمرارية ما , أى استمرارية مع الحداثة إلى جانب
الانفصال عنها، فمن ناحية لغوية كلمة ما بعد (post) لها دلالة أكثر على استمرار أمر
ما، وما بعد الحداثة لا تعني نهاية الحداثة، بل تعني نقدها واستمرارها أيضاً )29 (، ومن ثم فإن المقطع
"ما بعد" فى مصطلح ما بعد الحداثة يشير فى آن واحد إلى الانفصال
والاستمرار ومن ثم فإن درجة وصفها تتوقف على استخدام هذا الناقد أو ذاك . ومعنى
ذلك أن إضافة المقطع ما بعد إلى مصطلح الحداثة قد يشير إلى الاستمرارية مع الحداثة
ولكنها ليست استمرارية تواصلية – بمعنى أن ما بعد الحداثة استكمال لمشروع الحداثة
– بقدر كونها استمرارية من اجل القطيعة , فالاستمرارية مع الحداثة هنا ضرورة نابعة
من أن فهم ما بعد الشئ يستوجب معه منطقيا فهم الشئ نفسه لتحديد موقف معين تجاهه ,
وفى ظل هذه الاستمرارية مع الحداثة تتولد القطيعة والانفصال عنها ,وبالرغم من ذلك
كله فإن المقطع "ما بعد" يعد تأكيداً على تمايز ما بعد الحداثة على
الحداثة باعتبارها مرحلة فكرية وثقافية جديدة مناهضة لمرحلة الحداثة , وفى ضوء ما
سبق يمكن القول بأن المقطع "ما بعد" قد أفاد مصطلح ما بعد الحداثة فى
تحديد هويته واتجاهه تجاه تيار الحداثة )30(.
والواقع ان هذه الصعوبة لم تمنع
المفكرين والفلاسفة من تقديم تصوراتهم عن هذا المفهوم ما يتضمنه من معانى ودلالات
ما بعد الحداثة خاصة رواد
ذلك التيار
وفيما يلى عرض لبعض هذه التصورات:
حيث يرى " نيتشه" انه لا قيمة
للقيم ، وأن ما تكون فى العصور السالفة من مبادئ راسخة ثابتة ومثلا عليا سامية
صارت مع مجئ الحداثة عدماً افقد القيم كل معنى أو حقيقة، فهو ينكر الأحكام
التعميمية على نطاق المجتمع ويدعو إلى هجر مصطلحات الحقيقة باعتبار انه لا يمكن
الإمساك بتلابيبها فى أي مجال وكذلك ترك مصطلح الموضوعية لأن الذاتية هي التي تحكم
مختلف المسارات , كما يفقد التاريخ فى ضوء هذا الاتجاه شرعيته لأنه غالبا ليس إلا
مجموعة من الكتابات الدعائية وهذا الاتجاه العدمى يدعو إلى الجزئى على حساب الكلى )31(.
اما"ليوتار" فيعرف ما بعد
الحداثة بانها "حالة المعرفة السائدة فى اكثر الدول تقدما، وانها هى التى تصف
الحالة التى وصلت اليها ثقافتنا فى اعقاب التحولات الكبرى، التى غيرت قواعد اللعبة
بالنسبة للعلم والادب والفنون منذ نهاية القرن التاسع عشر")32(، هذه التحولات الكبرى التى لم يقتصر تاثيرها على العلم والادب
والفنون فقط ، بل امتد تاثيرها الى التربية فكرا وممارسة ومؤسسات باعتبارها هى
المسئولة عن نشرها وانتاجها ، فما بعد الحداثة عند "ليوتار" تشير إلى
نهاية الحكايات الكبرى أي نهاية المشاريع الاجتماعية الطموحة للحداثة والتأكيد على
أن خطابات أو نظريات الحداثة المتجسدة فى الليبرالية والماركسية والمستمدة من
أفكار عصر التنوير عن العقل والتحرير الشامل للإنسان والتقدم الخطى للتاريخ قد
فقدت قيمتها التفسيرية , وأن ادعائها القدرة على المعرفة والتنبؤ ليس سوى وهم من
أوهام التفكير الوضعي الذي ساد نهاية القرن التاسع عشر )33(.
كذلك يؤكد " فرديك جيمسون" على
أن ما بعد الحداثة هي رد فعل لما قبلها , حيث يرى أن ما بعد الحداثة تتوحد برغم تعدد
مجالاتها وأساليبها تحت شعار الرفض لما هو معترف به ومقنن , كما أنه يرى أن كلمة
ما بعد الحداثة تنطوي على مفهوم التمرحل والذي تكون مهمته منصبة على ربط بروز سمات
شكلية جديدة فى الثقافة ببروز سمات جديدة فى الحياة الاجتماعية ونظام اقتصادي جديد
بما يعرف غالبا حسب التعابير المطلقه بالمجتمع ما بعد الصناعي أو الاستهلاكي أو
بالنظام الرأسمالي متعدد القوميات أو مجتمع وسائل الإعلام )34(.
ويعرفها أبو دوح بانها "حالة
حضارية تهدف إلى خلق نمط ثقافي ومعرفي يتعارض مع الحداثة، له سمات وخصائص تمجد عدم
التحديد واللامعنى والتعددية والاختلاف والنسبية فى النظر إلى الواقع ويعلى من
قيمة الثقافة والمعرفة فى توجية المجتمع الانسانى")35(.
ويرى احمد ابوزيد "انه على الرغم من
عدم اتفاق المفكرين بعد على تعريف واحد واضح لما بعد الحداثة فان الفكرة الأساسية
لتيار ما بعد الحداثة تكمن فى الاعتقاد بأن أساليب العالم الغربي فى الرؤى
والمعرفة والتغير طرأ عليها فى السنوات الأخيرة تغير جذري نجم فى الأغلب عن التقدم
الهائل فى وسائل الإعلام والاتصال والتواصل الجماهيري وتطور نظم المعلومات فى
العالم ككل مما ترتب عليه حدوث تغيرات فى اقتصاديات العالم الغربي التي تعتمد على
التصنيع وازدياد الميل إلى الانصراف عن هذا النمط من الحياة الاقتصادية وظهور
مجتمع وثقافة من نوع جديد")36(..
ويؤكد راشــد العبد على ان ما بعد الحداثة تعرف
بأنها اتجاه فكري، يضم خليطا من التيارات،
يجمعها رفض الأسس الأنتولوجية (أي الخاصة بطبيعة الوجود) والمعرفية
والمنهجية التي قامت عليها الحداثة أو على الأقل يجعلها محل شك )37(.
اما طلعت عبد الحميد فيرى ان ما بعد
الحداثة "هى
نمط من الحياة ينتظم نظما اجتماعية متداخلة تقوم على التعقد والاحتمالية
والديالكتيكية واللايقين واللاحتمية واللاتحدد وضبابية الظواهر والجوع المعرفى" )38(.
وضوء كل ما سبق يمكن تعريف ما بعد
الحداثة على انها مذهبا واتجاها فكريا غير واضح المعالم او محدد القسمات يضم خليطا
الافكار والتيارات التى ظهرت وتشكلت فى
رحم الحداثة ثم ثارت عليها ، وتناولت بالنقد والرفض الاسس والمرتكزات التى قامت
عليها الحداثة محاولة تاسيس معالم مشروع جديد يتفاعل مع عصر جديد مختلف فى طبيعته
وظروفه وسماته عن عصر الحداثة.
وفى
ضوء ذلك عرض بعض المفكرين مجموعة
من المبادئ يستند اليها تيار ما بعد الحداثة فى معالجته لمختلف القضايا والتى تعكس
بدورها أبرز ملامح فكر ما بعد الحداثة وتتمثل تلك المبادىء فيما يلى: )39(
1-
الترويج للنسبية الأخلاقية والقيمية ،
فلاوجود لنظرية مطلقة في مجال الأخلاق والقيم ،
بمعنى العدمية او انعدام قيمة القيم فى ظل الحداثة ومنجزاتها ونقد الذات وإنكار
الحقيقة والموضوعية والتاريخ , والاعتراف بالمذهب النسبي (Relatirism)، ويمثل هذا المبدأ
المنطق الداخلي لتيار ما بعد الحداثة، فهى تسعى لتحطيم الانساق الفكرية الكبرى
المغلقة ، والتى عادة ما تاخذ شكل الايديولوجيات، على اساس انها فى زعمها تقدما تفسيرا
كليا للظواهر، وانها الغت حقيقة التنوع الانسانى وانطلقت من حتمية وهمية لااساس
لها، فلاتوجد حقائق اوافكار سامية اومتعالية، بل ان الوصول الى حقيقة عالمية ثابتة ضرب من المستحيل.
وبناء على ان الأخلاق والقيم نسبية، وان
ما يعتبر خلقا فاضلا في ثقافة قد يكون ظلما في ثقافة أخرى، والعكس صحيح ايضا، فما
بعد الحداثة تسوغ الشذوذ الجنسي ـ مثلا ـ وترى أنه يجب أن يحترم رأي أصحابه، وترى
أن النظر إليه على أنه خطيئة أوشذوذ، إنما هو من صنع الثقافات الجائرة التي تريد
أن تفرض "حقائقها" على أنها
حقائق مطلقة.
2-
التعامل مع مختلف القضايا من خلال اللغة , حيث تتركز تحليلات ما بعد الحداثة على
الخطاب وهذا يعنى أن تحليل النصوص أو تفكيكها قد أصبح يحظى بالمكانة الأولى فى
الجهد النظري لمفكري ما بعد الحداثة، ومن ثم يمكن القول بأن اتخاذ الخطاب كوحدة
للتحليل قد يظهر معه انصراف مفكري ما بعد الحداثة عن تحليل الواقع أو المضامين
الملموسة للحقائق , وذلك نظراً لأن الخطاب قد لا يعطى صورة حقيقية عن الواقع ،
فتيار ما بعد الحداثة يركز على إعطاء أهمية استثنائية للمعنى ، وإضفاء معنى على
العالم ، وجعل المعنى خاصّاً وشخصياً. فمذهب ما بعد الحداثة يعتمد كثيرا على اللغة
في طرحه لأفكاره، فمادامت اللغة غير قادرة على أداء المعنى، وما دام النص يمكن
تفسيره بعدة تفسيرات وليس هناك مرجع معتمد لترجيح معنى على لآخر، وحتى لو حاولنا
هذا الترجيح فسيكون عن طريق اللغة نفسها. وما دامت الحقيقة هي ما تؤديه هذه اللغة،
واللغة يبنيها المجتمع، فليس هناك إذن حقيقة مطلقة، فما بعد الحداثة تتركنا غرقى
في الشك، محاصرين بما أسموه "سجن اللغة". فالواقع ـ بالنسبة لهم ـ تبنيه
أو تعرفه الثقافة واللغة ولا يكتشف بالعقل والملاحظة.
3- التشكيك بقدرات العقل الانسانى، ورفض
العقلانية ، فأنصار وأتباع ما بعد الحداثة يوجهون كثيراً من الانتقادات إلى
إنجازات عصر الحداثة وموقف (الحداثة) من الفكر والفن والسياسة والحياة ، ذلك الموقف الذى يعلّي من شأن العقل ويرى فيه مصدر
كل تقدم في المعرفة وفي المجتمع وأنه وحده هو مصدر الصدق وأساس المعرفة المنهجية،
وأنه وحده هو القادر على اكتشاف المعايير النظرية والعملية التي يهتدي بها الفكر
والفعل على السواء، فهم يرو أن الزمن قد تغير، وأن الظروف العامة قد تجاوزت كل هذه
الإنجازات نتيجة لتقدم أساليب الإعلام والاتصال بوجه خاص، وما أدى إليه من ظهور
(حالة) جديدة من التاريخ تتطلب قيام نظريات ومفاهيم تتلاءم مع الأنماط المعرفية
الجديدة والتطورات التي طرأت على النظام الرأسمالي نفسه بعد ازدياد الاتجاه نحو
العولمة، وتعقد التجارب والخبرات الإنسانية، وتعدد الاتجاهات الثقافية وتنوع
المواقف الفكرية.
4- رفض كل عمليات
التمثيل سواء أخذت شكل الإنابة بمعنى أن شخصا يمثل الآخرين أو التشابه وذلك حين
يزعم المصور أنه يحاكى فى لوحته ما يراه فى الواقع ، وهو ما يتطلب الغاء الأنظمة
الحزبية وأنشطتها السياسية بوصفها منافذ حصرية وتصوّرات جمعية، ونفى الدولة بوصفها
أنموذجاً للهوية الوطنية.
5- ان جميع الافكارهى
بنى تركيبية ثقافية اواجتماعية ، فليس هناك حقيقة مطلقة، بل المعارف بنى اجتماعية
يبنيها الإنسان، وهي حقيقة بالنسبة له، فالإنسان أسير ثقافته، وهي التي تحدد له
"حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق" على ثقافات أخرى تسلط
وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها، فلا بد من قبول التفسيرات المتغايرة،
والمتناقضة أحيانا، للحقيقة، فالتعددية وتنوع التفسير والتصور أمر مقبول بل مرغب
فيه في التوجه ما بعد الحداثي، وهو ما يتطلب ضرورة إخضاع كافّة الرؤى والأفكار التي تحظى بقبول المجتمع للتساؤل والاستفهام، ولعل
فى ذلك ما يفسر معارضة تيار ما بعد الحداثة بشدة للدعوة الى إلغاء الثقافات المتعدّدة لصالح ثقافة مهيمنة ، ومعارضة
النمو الاقتصادي المؤدي إلى تلويث البيئة ، والمراقبة البيروقراطية للصناعة
والإنتاج ، ويدعو الى رفض ومخالفة اصحاب النـزعات العرقية.
ثالثا : فلسفة ما بعد
الحداثة ، وموقفها من الوجود والمعرفة:
تعتبر
فلسفة ما بعد الحداثة فلسفة نقدية لمجمل مرحلة الحداثة وفلسفاتها التي سيطرت على الحضارة
الغربية بعد عصر النهضة
والثورة الصناعية
فى محاولة للبحث عن خيارات جديدة ، ويمكن استعراض الملامح العامة لتلك الفلسفة
فيما يلى)40(:
1- أن الاعتبارات الدينية والغيبية لا مكان لها في فلسفة ما بعد الحداثة
، وذلك أن الحداثة المادية – قبلها - قد همشت دور الدين و ما وراء المادة ، وحُسم الأمر من عهد التنوير المبكر، لذلك تتجه
فلسفة ما بعد الحداثة إلى القضاء على دور العقل ومركزية الإنسان والطبيعة ؛ كفلسفة
قامت في عهد نهضة الحداثة الغربية، وهي - أي فكرة ما بعد الحداثة - تفترض أن
العالم مادة ، في حالة حركة دائمة ، ولا قصد لها ولا أصل , ومجرد استخدام كلمات مثل:
حق ويقين وذات ودوافع مثالية هي سقوط في الميتافيزيقا الماورائية ، فليس هناك نظام
مركزي بل هي نظم صغيرة مغلقة يدور كل منها حول نفسه ، ولها معناها الخاص الذي لا
يرتبط بأي مدلولات أخرى ، فهى تهدم كل ما هو
حقيقة، أو أساس مستقر، أو قانون مطلق، أو فكر شامل،
2-
ليس هناك حقيقة مسلمة في فكر ما بعد الحداثة بل
هي حقائق متعددة ، يصوغها الإنسان نفسه ، ويختار ما يريده من قناعات ، حتى لو
كانت في منتهى الشذوذ ، فهي القبول البرجماتي للوضع القائم مهما كان دون تغييره بل التكييف
معه والإذعان له ، وكان المدخل لهذه العدمية؛ من خلال الفلسفة التفكيكية للمعاني ،
فـ(جاك دريدا) يطرح مفهوم (أبوريا aporia)،
وهي كلمة يونانية تعني "الهوة التي لا قرار لها"، فمعنى النص مبعثر ومنتشر
وذلك أن لِلّغة قوة لا يمكن التحكم فيها ، فالمعنى أكبر من مدلول الكلمة ، وكل قارئ
يفهم معناه الخاص من الكلمة ، فتصبح المعاني بعدد القراء، وبالتالي إلى حالة من السيولة
تختفي فيها الحقائق، وتتعدد فيها المعاني الفردية ، وهذا ما جعل النصوص المقدسة في
العهد القديم والجديد فضلاً عن النظريات والقيم والمبادئ كلها صور هلامية يفهمها كل
شخص على حسب مراده، وبالتالي سقوطها في فخاخ ما بعد البنيوية.
3-
النظام الأخلاقي في فلسفة ما بعد الحداثة لا
يخضع إلى اعتبارات قيمية مطلقة أو أي معايير ثابتة أخذت اعتبارها من توافقات الشعوب
بثقافاتها ودياناتها على احترامها ووثوقية مبادئها؛ بل الأخلاق تنطلق من اتفاقيات
محدودة الشرعية تمليها مصالح الفرد أو المؤسسات المهيمنة على المجتمع سواء كانت أمنية
أو اقتصادية أو إعلامية ، فالصدق والعدل والأمانة قد لا تُحمل على معانيها
المعروفة والمتوارثة بين الناس، ولكن قد يُحتاج لها من خلال منظور برجماتي مؤقت ومؤطّر
في حدود النفعية البحتة.
وهذه الفلسفة لما نزعت اعتبارية العقل ومركزية
الفكر الإنساني المادي جعلت اهتمامها في تقديس اللذة والرغبات الجسدية، خصوصاً ما كان منها
في جانبه الجنسي، وإطلاق الرغبات المكبوتة دون قيود أو سلطات مانعة، فالسعار
الجنسي يعتبر انعتاقاً من طوباويات عبودية غير الذات، ولذلك وجدت الشركات الإعلامية
والأزياء وأماكن الترفيه والملهيات بغيتها في هذه الفلسفة ، ويُلاحظ هذا الأمر
من هبوط قيم الملابس الحديثة وعريها بشكل فاضح وتعميم موضاتها في جميع العالم، كما
يُلحظ التجانس القوي وإلغاء الفروقات بين لباس الرجل والمرأة كتسوية بين الأجناس والمخلوقات
، وليست مساواة
بالمعنى العادل ، وبالتالي شيوع العائلات المكونة من زوجين من الرجال، أو زوجين من الإناث، أو
زوج وأطفال، أو زوجة وأطفال، وهذا نذير بانهيار حاد لمفهوم الأسرة الطبيعية ، نحو تمرد عبثي لا يعرف سوى اللذة الجنسية
الغارقة في الشذوذ، وفي هذا يصرح (فوكو) وهو من رواد فلسفة ما بعد الحداثة أنه شاذ
جنسيا ويمارس السادية، ويرى أنه إذا سافر لعاصمة الشذوذ الجنسي في العالم (سان
فرنسسكو) ومارس الشذوذ السادي أنها لحظة الانعتاق الوحيدة التي يشعر بها لأنه يزيل
–كما يقول – آثار الميتافيزيقا نهائياً وظلال الإله.
4-
موقف
ما بعد الحداثة من الدين يختلف عن موقف الحداثة منه ، ففي حين أن الحداثة تنظر إلى
الدين على أنه أمر غير علمي، حيث أنه قائم على افتراض وجود كائنات غيبية
(ميتافيزيقية) لا تدخل تحت ما يمكن التحقق منه بالحواس وإدخاله تحت نطاق التجربة ،
أما مذهب ما بعد الحداثة فيرى صحة جميع الأديان، لا من حيث أنه يعترف بالوحي أو
بوجود الإله، بل من حيث أنها جميعا بنى ثقافية، ولا أحد يملك أن يحكم عليها بأنها
خطأ، فكل أصحاب دين يعتبر دينهم حق بالنسبة لهم، لذلك لا تحارب ما بعد الحداثة
الأديان بل تشجعها، بأي شكل كانت، وتدعوا للتعايش بين الأديان جميعها دون استثناء ،
وترى أنها سواسية ، إذ أنها ترى أنه ليس لدى أحد معيار مطلق يمكن أن يقاس به الدين
الحق من الباطل.
5- تؤكد سياسة ما بعد الحداثة ، وهنا استخدم لفظة سياسة
وليست فلسفة، لدخول هذا المؤشر إلى حيز الشريك الفلسفي والسياسي للنظام العالمي
الجديد، والذي وجد في فكرة الهيمنة العسكرية خسائر وإذكاء لجذوة المقاومة في الدول
المستعمَرة ، فتحوّلت مشروعاته الاستعمارية نحو الاستعمار الناعم بالتركيز على ضرب
الخصوصيات القومية وأنظمتها المرعية لضبط مصالح شعوبها؛ من أجل فتح الحدود للشركات
العابرة والمنتجات الاستهلاكية ، وتحويل النخب السياسية في تلك الدول إلى شركاء في
الاستثمار، وتحويل الشعوب إلى أدوات استهلاكية، فالهوية الدينية والثقافية
والخصوصيات القومية لا مكان لها في السوق العالمية الحالية ، وإغواء المجتمعات
يسير بشكل قوي ومنحدر نحو التخدير الإعلامي والإعلاني للوقوع في قبضة سكرة
الاستهلاك والمديونيات الطويلة، ولا يقل حجم التأثير الهوليودي قوة عن غيره في تعزيز بقاء الإنسان
آلة للعب والإلهاء، والشعور بالتبعية القسرية للنظام العالمي الغربي الشمالي الأبيض، من خلال أفلام البطولات المنقذة للأرض ،
أو من خطر العصابات الروسية أو الإرهابيين أو الملونين عموماً، أو الوقوع تحت
التنويم العقلي لأسْر الثراء والنظام واللذة ؛ وذلك بالمحاكاة التامة لتلك المجتمعات
الغربية البيضاء من خلال البرامج والأفلام الغربية ، وفي الآونة الأخيرة زادت
قنوات الأفلام في القنوات العربية، وربما في العالم أيضاً وبشكل كبير وسريع ، وأغلبها
يصدر من هوليود، ومن خلال تأثير واضح لفلسفة ما بعد الحداثة وفوضويتها العابثة لقيم
العالم.
موقف
ما بعد الحداثة من الوجود:
يتمثل موقف ما بعد الحداثة من طببيعة
الوجود فى النقاط التالية)41(:
- لاتوجد فى الوجود حقيقة مطلقة، أي
حقيقة صادقة في ذاتها، بل إن الحقائق يصنعها المجتمع بجوانبه الثقافية المتعددة
لأفراده ، وليس هناك حقيقة واقعية في خارج ذهن الإنسان، توجد بذاتها سواء آمنا بها
أم لم نؤمن بها، وإنما كل إنسان تنبني داخله الحقائق بفعل ثقافته ولغته، ويحكم على
ما يراه أو يقرأه بطريقة تفكيكية بحيث لا يكون لرأي الكاتب أي أثر على المعاني
التي يراها أمامه. فالحقيقة عندهم بنية ثقافية. والإنسان لا يمكن له أن يتخلص من
ذاتيته وليس لديه أصلا القدرة على الحكم الموضوعي بسبب ارتباط فكره بلغته.
- أن زمن بناء التصورات العامة حول
العالم أو السرديات الكبرى meta-narratives قد انتهى وأن عصر إنشاء النظريات الكلية وبناء الأنساق الجامعة قد
تولى، خاصة بعد أن ظهر الطابع التسلطي الهيمني لهذه النظريات وتبدت "إراد
القوة" التي تسيرها.
- فالإنسان أسير
ثقافته، وهي التي تحدد له "حقائقه"، ولذلك ففرض تلك "الحقائق"
على ثقافات أخرى تسلط وظلم، مهما قيل عن وجود دليل "عقلي" يسندها.
- ليس هناك ذاتا أو
حقيقة للفرد يبقى ملتزما بها وصادقا لها، بل هوية الفرد دائمة التبدل والتشكل
وتغير توجهها تبعا للتغير الدائم لعلاقاته.
موقف ما بعد الحداثة من
نظرية المعرفة:
يتمثل
موقف ما بعد الحداثة فيما يتعلق بطبيعة المعرفة، أو العلاقة بين الشيء المعروف
وبين العارف أو الباحث فيما يلى )42(:
-
استحالة الفصل بين الملاحِظ والشيء الملاحَظ ، أو بين الباحث والمبحوث، فالحقيقة
إنما هي تصورنا أو إدراكنا للحقيقة في سياق ذاتي واجتماعي محدد، فالناس يرون الشيء
نفسه بطريقة مختلفة، ويرجعون هذا الاختلاف إلى الثقافة بمفهومها العام ، فليست
هناك ذات مستقلة عن حقيقتنا الاجتماعية، فالثقافة والمجتمع يصنعان (وبتعبير ما بعد
الحداثيين: يخلقان) الأفراد كما يخلقان أفكارهم واتجاهاتهم، ومن طرق صياغة المجتمع
للأفراد اللغة.
- أن الإنسان يتفاعل دائما مع الحقيقة من خلال
اللغة، فكل النشاطات العقلية، كما يزعمون، قائمة على اللغة، فنحن نفكر من خلال
الكلمات ونتواصل من خلال الكلمات، والناس مرتبطون بالحقيقة من خلال الأسماء التي
يعطونها لإدراكاتهم وأفكارهم. وهذه الأسماء، التي هي عبارة عن كلمات، تطلق بشكل
عشوائي (أو اتفاقي) من المجتمع، وكلما
ازداد أفكارنا تجريدا، وغالبا ازدادت أهمية، كلما ازددنا اعتمادا على الكلمات
لإعطاء المعاني. فإذا كانت اللغة هي طريقة الناس للارتباط بالواقع فلابد إذن أن
نفهم طبيعة اللغة.
-
فالمعرفة فى مجتمع ما بعد الحداثة لم تعد
تكتسب من أجل المعرفة نفسها ، بل أصبحت
عملية بحت, فأنت تتعلم أشياء ليس من أجل معرفتها, بل لتحويل هذه المعرفة إلى وسيلة
أو مهارة. فتعليم السياسة للفرد مثلا , يؤكد على المهارات والتدريبات بدلا من تأكيده على تعلم قيم ومثل إنسانية وإبداعية لم
تكن معروفة له من قبل, وهذا ما ينطبق عليه المثل القائل لحملة الشهادات العلمية (
ماذا سوف تعمل بشهادتك العلمية ؟) .
-
ان أحد خطابات النمط المعرفي الما بعد حداثي كما حددها ليوتار هو تحويل المعلومات الي سلعة
للاستهلاك والربح, ومثل هذا الخطاب يهدف الي تأسيس سلطة اقتصادية مكونة من رجال الاعمال والمديرين المتحكمين في
المعرفة والمعلومات وسبل احتكارها وتسويقها كسلعة, وهو ما تمثله الدولة الرأسمالية
ومديرو المنظمات الكبري من جهة والشركات المتعددة القوميات من جهة اخري.
-
إن المعرفة في مجتمعات ما بعد الحداثة لم تتميز بفائدتها ( كمعرفة عملية ), وإنما
تميزت بمسائل توزيعها وتخزينها وتنظيمها بشكل مختلف عما هي عليه في المجتمعات
الحديثة , فوجود تكنولوجيا الاليكترونيات والكمبيوتر في مجتمعات ما بعد الحداثة قد
أوجد ثورة في نماذج إنتاج المعرفة وتوزيعها واستهلاكها ، فالمعرفة ستكتسب الشكل الذي اتخذته علاقة
منتجي ومستهلكي السلع بالسلع التي ينتجونها ويستهلكونها أي شكل القيمة, فالمعرفة
تنتج وسوف تنتج لكي تباع وتستهلك, وسوف تستهلك لكي يجري تقييمها في انتاج جديد, وفي كلتا الحالتين, فان الهدف هو
التبادل.
–
المعرفة فى مجتمع ما بعد الحداثة لم تعد تبحث من خلال المحسوسات كما هو الحال فى
مجتمع الحداثة ، بل الاهتمام بالتجريد ،
وبدلا من الاقتصار على معرفة الخبراء والمتخصصين يتم افساح المجال لخبرات ومعارف
الجماهير مع الاهتمام بالخبرات الذاتية، والتوجه نحو ماهو مستقبلى ومتخيل يتم
استشرافه ومحاكاته كومبيوتريا، واثارة التساؤلات والتشكيك والتفكيك لما هو قائم من
معارف.
رابعا :التربية فى
مجتمع ما بعد الحداثة:
بالرغم من النقد الكثير الذي وجهته
التيارات ما بعد الحداثية للحداثة في مجال التعليم، إلا أنها لم تطرح فلسفة تربوية
شاملة إلى الآن، فأثر ما بعد الحداثة على التعليم كبير ، وإن كان غير واضح المعالم
)43( ، ويمكن تناول موقف تيار ما بعد الحداثة من التربية من خلال
استعراض موقفها من كل جوانب العملية التعليمية على النحو التالى:
1-
بالنسبة لاهداف التربية:
تتمثل اهداف التربية فى مجتمع ما بعد
الحداثة كما حددها المفكر الفرنسى فرانسوا ليوتار فى كتابه الوضع ما بعد الحداثى
بان هدف التعليم – باعتباره منظومة فرعية فى المنظومة المجتمعية- هو خلق المهارات
التى لاغنى عنها لتلك المنظومة، وهذه المهارات على نوعين: مهارات النوع الاول
وتتمثل فى المهارات التى تستهدف بشكل نوعى التعامل مع المنافسة العالمية، وتتنوع
حسب التخصصات التى تستطيع الدولة او المؤسسات التعليمية الكبرى بيعها فى السوق
العالمية،ومن المرجح ان ينال الاولوية فى التعليم الذى يتواجد فى تخصصات يطلق
عليها التليماطيقا ويشرحها علماء الحاسوب والسيبرناطيقا، وعلماء اللغة والرياضيات
والمنطق ، اما مهارات النوع الثانى فتتعلق بالمهارات التى تلبى احتياجات المجتمع
نفسه، ولن يكون ذلك بربط التعليم بمثل عليا وغايات انسانية، بل ستكون اهداف
التعليم وظيفية نفعية عملية، من خلال السعى الى امداد النظام القتصادى بلاعبين
قادرين على القيام بادوارهم بشكل مقبول فى مواقع العمل بالمؤسسات)44(.
وفى ضوء تلك الاهداف سوف تتحول الجامعة -
بالاضافة الى وظيفتها المهنية- الى لعب دور جديد هودورالتأهيل والتعليم المستمر ،
ولن يتعلم الطلاب المعرفة او التخصص مرة واحدة والى الامد خلال اعدادهم المهنى
الجامعى، بل ستقدم لهم حسب الحاجة بغرض تحسين مهاراتهم وفرص ترقيتهم ، وكذلك
مساعدتهم على اكتساب المعلومات واللقاءات التى تتيح لهم تهذيب خبرتهم التقنية
والاخلاقية )45(.
2-
بالنسبة للمعلم:
لم تبلور حركة ما بعد الحداثة – بحكم
طبيعتها – موقفا واحدا من المعلم ، ومن ثم تعددت صور المعلم فيها، ولكن يمكن القول
بان هناك ثلاثة مواقف رئيسة لحركة ما بعد الحداثة تتراوح بين الرادكالية التى
يمثلها ليوتار والتى ينفى فيها دور المعلم بحيث يرى ان شرط ما بعد الحداثة يعنى
موت المعلم**Death
of the professor – بمعنى تراجع
سلطته المعرفية- وبين الوسطية التى يمثلها رورتى الذى يرى ان شرط ما بعد الحداثة
يضفى اهمية خاصة على دور المعلم ،والموقف النقدى الذى يمثله هابرماس والذى يعلى من
اهمية المعلم)46(.
كما ترى حركة ما بعد الحداثة أن مهمة
المعلم ليست ـ بل وليس من حقه ـ أن يقوم بنقل الحقائق كما يراها هو إلى ذهن
الطالب، بل يساعده في بناء حقائقه الخاصة التي يشكلها مجتمعه وثقافته)47(،وذلك من خلال)48(:
أ-
مساعدة طلابه على
ادراك انهم اعضاء فى مجتمعات معرفية متعددة وذلك من خلال تعميق وعيهم الذاتى بثقافاتهم وثقافات الاخرين.
ب-
مساعدة الطلاب على اكتشاف معتقداتهم وآرائهم
وآراء الاخرين من زملائهم والوقوف على الكيفية التى يتم بها تبرير ، وابداء آرائهم
حول ما يمر بهم من احداث.
ت- مساعدة الطلاب على استكشاف طبيعة المعرفة من
الناحيتين التاريخية والاجتماعية اللغوية.
ث- ان يشيع بين طلابه فضيلة الاعتراف بنقص معارفنا
او جهلنا ، ففى ظل ثورة المعلومات لايستطيع احد ان يدعى انه يملك الحقبقة، واننا
بقد ما نعرف بقدر ما نجهل ، وان ما نعرفه الان هو ثابت ثبوتا نسبيا مؤقتا وهو قابل
للتغير.
ولعل قيام المعلم بتلك الادوار والمهام
يتطلب ضرورة توافر مجموعة من المطالب فى برامج اعداده وتنميته مهنيا وتتمثل تلك المطالب فيما يلى)49(:
أ-
تنمية القدرة على
التصرف فى المواقف المختلفة، وذلك من خلال مناهج دراسية واطر تربوية تجعل من
المتعلم مركز اهتمامها ،وتنظر اليهباعتباره غاية ، من خلال ما يسمى بالتعليم
الليبرالى الذى يهدف الى جعل الانسان انسان قبل اى شىء اخر.
ب-
تنمية مهارات التفكير الناقد، من خلال مساعدة
الطلاب وتدريبهم على استخدام مهارات البحث العلمى
فى دراسة ومناقشة المشكلات التى تصادف المعلمين . وتدريبهم على تدبر بعض
الممارسات التى يقوم بها بعض المعلمين ،وتوضيح وجهة نظرهم فيها، كما يمكن ان يتم
ذلك من خلال تنمية مهارات التركيز وجمع البيانات
والتنظيم والتحليل والانتاج والتكامل والتقويم اثناء عرض المحتوى الدراسى.
ت- تنمية اطار مقبول من المهارات تمكنه من التعامل
والعيش مع الاخرين باعتبار انسان كوكبى عالمى وليس مواطن يعيش فى مجتمع محلى ،
من خلال تدريبه من خلال التعلم عن بعد ،
على الاستفادة من امكانات شبكة المعلومات الدولية فى التعرف على كل ما يحدث فى
العالم من حوله.
ث- ان تشتمل تلك البرامج على انشطة ومقررات تتعلق
باسترتيجيات تدعيم عمليات ماوراء المعرفة )التفكير فى التفكير(، والتفكير
التاملى، والدراسات المستقبلية ، والمخل
المنظومى ، وان تتم دراسة المفاهيم او الموضوعات التى تتمضمنه تلك المقررات من
خلال منظومة متكاملة تتضح فيها كافة العلاقات بين اى مفهوم او موضوع وغيره من
المفاهيم والموضوعات الاخرى.
3-
بالنسبة للمتعلم :
تؤكد تيارما بعد الحداثة تؤكد على أن المتعلم
يجب أن يتعلم أن لا يعتمد على الموضوعية التي تزعمها الحداثة، أن الإنسان يبني كل
المعارف داخل ذهنه، وليس هناك شيء منفصل عن المتعلم، فالتعلم يحدث عندما يقوم
المتعلم ببناء آليات التعلم الخاصة به بالإضافة إلى نسخته الخاصة من المعارف،
متأثرا في ذلك بخبراته ومهاراته وخلفيته الاجتماعية، وهو ما يتطلب ضرورة ان تتغير طبيعة
العلاقة بين الطالب والمعلم ، فلم يعد ينظر للمعلم على أنه الخبير الذي يزود
الطالب بالمعلومات، صار هناك تركيز على التفاعل الفردي بين الطالب
و"المعلم" والاستكشاف المشترك )50( ، حيث يقوم المعلم بوضع المتعلم امام مشكلات تدفعه الى التفكير
واكتشاف المعرفة، وتتم ادارة هذا الموقف من خلال مناقشة موجهة من خلال مجموعة من
الاسئلة المعدة سلفا اعدادا محكما.
كذلك يرى تيار ما بعد الحداثة أن
المتعلم يقوم ببناء المعرفة داخل ذهنه، وهذا البناء يتم في سياق اجتماعي ليس له
صفة الإطلاق ، فالمتعلم يبني بنفسه فهمه الخاص عن العالم من حوله بدلا من أخذ هذا
الفهم عن الآخرين)51(.
4-
بالنسبة للمنهج :
ترى حركة ما بعد الحداثة أن المنهج يجب
يتكيف مع الطلاب، بحيث يتناسب المحتوى والمهارات مع الطلاب وحاجاتهم ، فهدف المنهج
أن يكون تحويليا Transformative، بحيث يمكن الطالب أن يتفحص ويدرك العالم من حوله أولا ثم يفهم
نفسه بشكل أكبر، ولذا فالأنشطة التعليمية ليست مخططا لها مسبقا، إنما تتقرر بناء
على رغبات الطلاب وعلى الطرائق التي يتم بها الفهم في أذهان الطلاب )52(.
فالمنهج من وجهة نظر ما بعد الحداثية يجب
ان يهتم بالطريقة التي يبني بها الطلاب المعرفة من منظورات مختلفة، بأساليب تعلمية
متنوعة وذكاءات متعددة، لا تعتمد فقط على الذكاء التقليدي الرياضي المنطقي، كما
يجب ان يبتعد عن النظرة الحداثية للمنهج التي تنحو المنحى التراكمي في تقديم
المحتوى، إلى المنهج التحويلي، الذي يسعى لإحداث تحويل في فهم الطالب لما حوله ومن
ثم فهمه لنفسه)53(، فيجب أن لا يحتوي المنهج على حقائق يراد نقلها إلى الطالب ، ولا
بد أن يحتوي على القليل من التجريد والتنظير، وبدلا من ذلك يركز على الاهتمامات
الفردية للطلاب وعلى التطبيقات العملية )54(.
كذلك يرى انصار ما بعد الحداثة ان
المنهج الدراسى يجب الا يرفض الغيبيات أو يقلل من قيمتها كما تفعل الحداثة، بل
يعترف بها وربما يشجعها، لكن ليس على أنها حق ، أو حقائق مطلقة، بل على أنها ثقافة
شكلتها منظومة اجتماعية خاصة ، ويجب أن لا تتعدى إطار تلك المنظومة، فالمنهج عليه أن
يؤصل في أذهان الطلاب أنه ليس هناك حقائق خارج الذهن، وأن الحقائق تبنى عن طريق
اللغة وداخل الثقافة. ولذا فليس هناك حقائق مطلقة، بل هي حقائق نسبية)55(.
5-
بالنسبة لطرق التدريس:
ولا تمدنا أدبيات ما بعد الحداثة بأمثلة
محددة يمكن أن تكون مكونات لنظرية تدريس متماسكة ، تربط بين النظرية والتطبيق، بل
يرى بعض الباحثين أن التدريس من المنظور مابعد الحداثي يحتاج إلى اعتقاد بأن
التعلم يحدث في وسط ما يشبه الفوضى أو اللانظام chaos ، حيث يحتاج المعلم أن يتصور وينظم أوضاع التعلم على شكل تيار غير
منتظم وغير مؤقت من الاكتشافات والتناقضات وإعادة الاكتشاف والمساءلة ، ويعزو بعض
الباحثين ذلك إلى أن ما بعد الحداثة لا تركز كثيرا على إيجاد الحلول بقدر ما تركز
على البحث عن التعقيد والاحتمالات الحاضرة في المشكلة، فالإرباك وإيجاد عدم سكون
وتنظيم الذات هي خصائص طرق التدريس ما بعد الحداثية، إذ وجود قدر كاف من الاختلال
وعدم السكون يقود إلى تغيير نظام القناعات والمسلمات )56(.
كما يرى بعض الباحثين أن بحوث المنهج من
وجهة النظر ما بعد الحداثية ليس لها تطبيقات مباشرة في المواد الدراسية أو
الممارسات المدرسية، ويعلل هذا بأن ما بعد الحداثة تساهم، بدلا من ذلك، في إصلاح
المدرسة بإعادة تصور وفهم القضية من أساسها وتمكين التربويين من تحدي القناعات
والمسلمات واستشراف الإمكانات البديلة للتغيير، والتطبيقات الصفية المباشرة تظهر
من خلال السياقات الخاصة، بدلا من فرض مبادئ عامة )57(.
ونظرا لان تصور ما بعد الحداثي للتعلم
مبني على الاعتقاد بأن كل فرد يصنع المعنى من مصادر مختلفة ، بدلا من استقبالها
جاهزة من خبير، فان فهناك تركيز تام في طرق التدريس على الحوار والاستكشاف، مع
التقليل من دور المعلم بوصفه مصدرا للمعلومات، وبينما انتهجت بعض الاتجاهات التي
لا تنتمي إلى تيار ما بعد الحداثة منهج الاسكتشاف، فإن ما بعد الحداثة تنتهج هذا
الأسلوب لا على أنه سبيل لاكتشاف الحقيقة بل على أنه جواب مؤقت إلى حين يتم اكتشاف
غيره )58(.
الخلاصة
فى
ضوء ما تم عرضه من افكار عن فكر وحركة ما بعد الحداثة يتضح لنا الاتى:
1- ان
ما بعد الحداثة اتجاه فكري، نشأ في الأصل وفي
كثير من جوانبه ردة فعل لـ "الحداثة" وهو يضم خليطا من التيارات، يجمعها رفض الأسس التي قامت عليها الحداثة أو
على الأقل يجعلها محل شك .
2- ان
حركة ما بعد الحداثة قد لاتعنينا كثيرا فى العالم العربى على اعتبار اننا لم ننخرط
فى بعد فى عمق الحداثة.
3- أن
فكر مابعد الحداثة الذي يتم الترويج له اليوم في الساحة العربية لا يمثل اتجاهاً فكرياً رصيناً ومنسجما ً،
ولايخرج في غالب الأحيان عن ترجمة واستنساخ مقولات واصطلاحات ونظريات متداولة
منذ عقود في الثقافة الغربية السائدة وخصوصاً الفرنسية منها، فهى أفكار برزت في
سياقات وأرضيات
مغايرة عن واقعنا العربى.
4- ان
فى اطار التبعية الثقافية والانبهار بكل ماهو غربى، فإن المتابع لأحوال الثقافة والفكر
في العالم العربي يصاب بالذهول والحيرة،نتيجة الانبهاراللا معقول ، للعقل العربي ،بالثقافة
والحضارة الغربيتين ، والترديد الببغائي لبعض الافكاروالفلسفات التى تختلف بل وتتعارض مع
ثوابث ثقافتنا العربية والاسلامية ، وهذا ما نقرؤه من محاولات تفكيكك النص القرآني وتفسيره، وفق
ميول ورغبات القرّاء، والدعوة الى الغاء السنة بحجة أنها لامركزية لها؛ كونها جاءت من بشر لا يختلف عن غيره من الناس،
والظروف النبوية اختلفت تماماً عن واقعنا المعاصر الذي يحتاج إلى أدوات جديدة للفهم
والاستنباط، وأحياناً يأتي النقد إلى نبذ الهوية القومية، والمطالبات بالإصلاحات
السياسية وفق المشاريع الشرق أوسطية المشتركة، كذلك تهميش القيم الخلقية والسلوكية
وغيرها من مسلّمات الدين، خصوصاً والمعطيات العقلية الأخرى، وهو طرح كثير من
الليبراليين الجدد من العرب المستغربين.
5- لم
تقدم حركة ما بعد الحداثة فلسفة واضحة ومترابطة عن التربية وانما هى افكار متناثرة
لايوجد بينها وحدة عضوية تتسق فيها نظرتها للاهداف التربوية مع نظرتها الى الطبيعة
الانسانية ، ومع تصوراتها عن طرق التعليم التدريس والممارسات التعليمية.
6- ان
كثيرا من الافكار الى طرحها مفكرو تيار ما بعد الحداثة عن التربية والمعلم ليست
جديدة او قاصرة عليهم ، وانما هى افكار تم طرحا مسبقا من خلال بعض الفلاسفى
والمربين فى عصور سابق وان كانت هذه الافكار قد تم عرضها بصورة متناثرة.
المراجع
1-
سامى محمد نصار :قضايا تربوية فى عصر العولمة
وما بعد الحداثة- الدار المصرية اللبنانية- القاهرة 2005.ص19
2- السيد
ياسين:الكونية وما قبل
الحداثة- في كتاب:الكونية والأصولية ومابعد الحداثة-المكتب الأكاديمية – القاهرة –
1996.ص192
3-
______: ازمة استشراف المستقبل
في كتاب:الكونية والأصولية ومابعد الحداثة-المكتب الأكاديمية – القاهرة – 1996.ص119-
120
4-
محمود فتحي عبد العال
أبو دوح: ما بعد الحداثة : إشكالية
المفهوم- متاح على http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=189625
5-
أحمد مجدي حجازي، النظرية الاجتماعية
فى مرحلة ما بعد الحداثة، قضايا فكرية، أكتوبر/1999. صـ95.
6- السيد
ياسين:الكونية وما قبل
الحداثة- مرجع سابق.ص192- 193
7- حازم
محفوظ : مستقبل
المعرفة في عصر ما بعد الحداثة- جريدة الاهرام - السنة135- العدد44989 - الاثنين 8 فبراير 2010 .
8-
نفس المرجع السابق.
9-
ستوارت باركر: التربية فى عالم ما
بعد الحداثة- ترجمة:سامى محمد نصار- الدار المصرية اللبنانية-
القاهرة 2007.ص31.
10- عبيد
الله العمري ، عبد القادر العرابي: إشكالية المنهج في العلوم الاجتماعية
العربية المعاصرة- الرياض – 1422ه- ص 99.
11-
محمود فتحي عبد العال
أبو دوح:مرجع سابق.
12-
المرجع السابق.
13-
راشــد بن حسين العبد الكريم: أثر
"ما بعد الحداثة" في التعليم ، نظرة عامة - ورقة مقدمة للقاء الجمعية السعودية
للعلوم التربوية والنفسية (جستن) ،اللقاء السنوي، الرياض، 1421ه . متاح
على http://faculty.ksu.edu.sa/dr.rashid/DocLib3/%D9%85%D8%A7%20%D8%A8%D8%B9%D8%AF%20%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB%D8%A9%20%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9.doc
14-
Best, S. & Kellner, D.: . Postmodern Theory: Critical
Interrogation, (1991). p. 34
نقلا عن المرجع السابق.
15 - راشــد بن حسين العبد الكريم:مرجع سابق.
16- سالم
يقوت: المناحي الجديدة للفكر الفلسفي - دار الطليقة- بيروت- 1999. ص 91.
17- راشــد بن حسين
العبد الكريم:مرجع سابق.
18-
روجيه جارودي: نظرات حول الإنسان- ترجمة يحيى هويدي. المجلس الأعلى
للثقافة- القاهرة- 1983 ص 17.
19- السيد ولد أباه:
فكر مابعد الحداثة.. مصطلح فارغ لمضمون مغاير- متاح على
http://www.bab.com/articles/full_article.cfm?id=5989
Mary
klages: Postmodernism, From Continuum Press, January 2007 20-
ترجمة : عنان عويّد متاح على
21- أحمد مجدي حجازي: مرجع سابق.ص 295.
22- سامى محمد نصار:
مرجع سابق.ص77.
23- Beck, Clive:" Postmodernism pedagogy
and pholsophy", Pholsophy of Education Society,2000 ERIC AE.
24– السيد ولد أباه: مرجع سابق.
25- محمد
الشيخ ، ياسر الطائري: مقاربات في الحداثة وما بعد الحداثة- دار الطليعة – بيروت- 1996.
26- Doll, W. (1993). Post-Modern Perspectives on
Curriculum. New York: teachers College Press. p. 4
27- محمود
فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع سابق.
28- ستوارت باركر: مرجع سابق.ص31.
29- رضا دلاوري: الحداثة وما بعد الحداثة التعريف، الميزات، الخصائص-
ترجمة: ترجمة: حيدر حب الله متاح على
http://www.nosos.net/main/pages/news.php?nid=182
30- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع
سابق.
31- المرجع السابق.
32-Lyotard,Jean Francois, The Post-Modern
condition:A report on knowledge, Transated by Geoff Bennington and Brian
Maddumi,Minneapolis, University of Minnesota Press, 1984.
نقلا عن : سامى
محمد نصار: مرجع سابق.ص115.
33- كامل شياع ، فى
ثقافة ما بعد الحداثة وسياستها - قضايا فكرية- اكتوبر- 1999. ص 319.
34- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع
سابق.
35- المرجع السابق.
36- احمد ابو زيد:البحث عن ما بعد الحداثة- مجلة
العربى – العدد 506- يناير-
2001.
37- راشــد بن حسين
العبد الكريم:مرجع سابق.
38- طلعت عبد الحميد واخرون:
الحداثة وما بعد الحداثة، دراسات فى الاصول الفلسفية للتربية- مكتبة
الانجلو المصرية- القاهرة – 2003. ص 160.
39- تم التوصل الى
هذه المبادىء من خلال الاطلاع على المصادر التالية:
- امانى ابو
رحمة:حصاد ما بعد الحداثة،ارهاصات عهد جديد- صحيفة المتوسط- عدد ابريل
2010.متاح على:
- رضا دلاوري: الحداثة وما بعد الحداثة التعريف، الميزات، الخصائص- ترجمة: حيدر حب الله- مجلة نصوص
معاصرة – العدد الأول. متاح
على
http://www.nosos.net/main/pages/news.php?nid=182
- محمد الحوراني : الحداثة وما بعد الحداثة في سجالات المفكرين العرب- متاح على
http://thawra.alwehda.gov.sy/_print_veiw.asp?FileName=33496648020061121103524
- محمود فتحي عبد العال أبو دوح: مرجع
سابق.
- راشــد بن حسين
العبد الكريم: مرجع سابق.
40- سفر بن علي
القحطاني : العقل المسلم وتحدّيات
(ما بعد الحداثة)- نوافذ- الأربعاء 23 شعبان 1428 الموافق 05 سبتمبر 2007 متاح على http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-40-10005.htm
41-
راشــد
بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
42- حازم محفوظ : مرجع سابق.
انظر كذلك
:
-
راشــد بن حسين العبد
الكريم: مرجع سابق.
-
طلعت عبد الحميد
واخرون: مرجع سابق.ص 173.
Doll, W.: op.cit. p: - 43
44- جان فرانسوا
ليوتار: الوضع ما بعد الحداثى- ترجمة احمد حسان – دار شرقيات- القاهرة- 1994. نقلا عن: طلعت عبد الحميد واخرون: مرجع
سابق.ص 146.
45- طلعت عبد الحميد
واخرون: مرجع سابق.ص 147.
**بنى ليوتار موقفه القائل بموت المعلم
على اساس فكرة موت المؤلف التى نادى بها رولاند بارت وهى تعنى انه لاينبغى اعتبار
المؤلف وحده هو صاحب الحق فى تحديد معنى النص.
46- سامى محمد نصار:
مرجع سابق.ص120.
47- راشــد بن حسين
العبد الكريم: مرجع سابق.
48- سامى محمد نصار:
مرجع سابق.ص130.
49- عبد المجيد عبد
التواب شيحه: نحو صيغة جديدة لاعداد المعلم – بحث مقدم مؤتمر التربية العملية
واعداد المعلم- كلية التربية ببنها – جامعة الزقازيق- 1984.ص 9- 11.
انظر كذلك: طلعت عبد
الحميد واخرون: مرجع سابق.ص 183-198.
50 - طلعت عبد الحميد
واخرون: مرجع سابق.ص196.
51- راشــد بن حسين
العبد الكريم: مرجع سابق.
52- المرجع السابق.
53- Denig, S.
(Postmodernism and its effect on the teaching of values in public schools.
(1999). Paper presented at the annual meeting of the American Educational
research Association. Montreal. Quebec. Eric: ED 436497
54- Armstrong, D. et al. (2001). Teaching Today: An
Introduction to education. Upper Saddle: Merrill Printice Hall. P. 347.نقلا عن :
راشد بن حسين العبد الكريم :مرجع سابق
55- راشــد بن حسين العبد الكريم: مرجع سابق.
56- المرجع السابق.
57- المرجع السابق.
58- المرجع السابق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق