كلية التربية
قسم أصول التربية
القيم
التربوية المستوحاة من ثورة 25 يناير
ورقة عمل مقدمة إلى
المؤتمر العلمي الثالث
لكلية التربية جامعة المنوفية
"المتطلبات التربوية فى مصر بعد ثورة 25 يناير"
في الفترة من 19-20 ديسمبر 2012
إعداد
ا
د/ جمال على الدهشان
أستاذ
أصول التربية
ووكيل
الكلية لشئون التعليم والطلاب
كلية
التربية - جامعة المنوفية
القيم
التربوية المستوحاة من ثورة 25 يناير
مقدمة:
تعيش المجتمعات
العربية على وقع مرحلة جديدة تمثلت فيما تجتاحها من موجة ثورات شعبية ، ثورات تحمل
مطالب متعددة بدءا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية وصولا إلى الإصلاحات السياسية ،
هذه الثورات التي كسرت حاجز الخوف ورسخت ثقافة سياسية جديدة ،كما قادت إلى التغيير
الاجتماعي والسياسي في دول عربية مهمة ، فسقطت أنظمة واهتزت عروش لوقعها ، نظم لم
يكن أشد المتفائلين يتوقع لوقت قريب أن تقدم أدنى تنازلات لصالح شعوبها (1) ، فلم
يشهد العالم العربي ما بعد الاستقلال –
باستثناء الحالة الفلسطينية - حراكا شعبيا
واسعا لدرجة يجوز فيها توصيفه بالثورة
الشعبية إلا ما جرى في تونس ومصر في يناير 2011 ، الأمر الذي فتح الباب على
مصراعيه للاجتهادات والتفسيرات ، التي حاولت دراسة تلك الثورات وما أنجزته من
أهداف على المستوى السياسي
والاجتماعي والقيمى الأخلاقي (2).
هذه التحولات
تدعونا إلى ضرورة البحث في مكنون هذه الثورات في محاولة للتعرف على ما تضمنته تلك
الثورات من جوانب قيمية وأخلاقية .
حيث تلعب القيم دورا كبيرا وتحتل موقعا
مركزيا من المجتمع ، وتعد من الوسائل المهمة في التمييز بين أنماط حياة الأفراد
والمجتمعات(3) - حتى في المجال السياسي لا يزال للقيم
دورها الاساسى والعمود الفقري المرتكز عليه النظام العام للدولة ككل - انطلاقا من
أنها تتغلغل في حياة الناس أفرادا وجماعات ، وترتبط عندهم بمعنى الحياة ذاتها ،
حيث ترتبط ارتباطا وثيقا بدوافع السلوك وبالآمال والأهداف (4)، فهي توجه سلوكيات الفرد في الحياة
لوجهة محددة وفقاً لمعطياتها ، وتهبه عاطفة تعمل على تشكيل شخصيته وتحديد هويته
التي تميزه عن غيره من الناس ، وتوفر له أعلى درجة من تحقيق الذات في ظل المصلحة
الجماعية للمجتمع ككل.
فالثورات في الغالب تقوم وتظهر عندما
تنفلت الأخلاق وتتراجع القيم ويفقدها الإنسان ، ينفصل عن تراثه ويغترب ويتشبأ عن
نفسه وإنسانيته ومجتمعه ككل ويفقد بوصلة التحضر والرقي ، فينتابه شعور بالعزلة
والانفلات من النظام السياسي القائم ، حينئذ تبدأ حالة الفوضى الأخلاقية ويعم
الفساد ويفقد المجتمع مقومات الرأسمال الاجتماعي الاخلاقى مؤسس أعمدة الحضارة
والتقدم والرقى(5).
وهذا ما حدث قبل 25 يناير في مصر حيث
عانت مصر أزمة مزمنة أصابت منظومة القيم الاجتماعية وأقل ما يقال عنها إنها كارثة
ومحنة أخلاقية ناتجة عن التدهور في القيم والأخلاق وتراجعها ، وسادت قيم وأخلاق
الاستبداد والظلم والنفاق والكذب والخيانة والانتهازية والسرقة والنهب والعنف
..وغيرها الكثير ، بل وصل الأمر إلى حالة
من التردي الأخلاقي والسلوكي لاتحتمل ، الكل غاضب من الكل ، والجميع يثور لأتفه الأسباب ،
والثقة لا مكان لها بين طبقات المجتمع علي اختلافها.
(6) .
وفجأة انقلب الحال ودقت ساعة التغير
وتعالت الصرخات نحو الحرية والعدالة والأخلاق وبعد المخاض الشديد نجحت في وأد
النظام القديم لتبنى عليه ما حلمت به لمدة 30 عاما وأهمها الأخلاق ، من خلال تأسيس
منظومة قيم اجتماعية جديدة ، تعكس آمال وطموحات المصرين الآنية والمستقبلية.
إن الدارس للثورات في
العالم والثورة المصرية بشكل خاص ، يلحظ
أن كل ثورة من
الثورات التي تعودنا على حدوثها في السابق كانت تحدث تغيرات في البني والهياكل
والأشخاص تتوافق مع توجهات من قاموا بتلك الثورات ، تنجح أحيانا وتفشل في أغلب
الأحيان لأنها ليست معبرة عن مجموع الشعب ، أما
الثورات التي نعيشها هذه الأيام – من بينها الثورة المصرية - فتختلف كليا عن تلك الثورات ، لأن من يقومون بها هم الشباب أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير ،
ليس ذلك فقط بل وتلبي رغبات
معظم الشعب بدليل انضمام الفئات المختلفة لهذه الثورات . إضافة إلى أنها قامت بغرض
- بل ومن أهم أولوياتها - تغيير انساق
القيم التي كانت سائدة ، والدعوة إلى تبنى قيم ومبادئ جديدة تتفق ورغبات من قاموا
بها وكل أفراد المجتمع ، وتسعى إلى وضع أسس جديدة لعلاقة الفرد بمجتمعه ونظامه
السياسي والاجتماعي (7).
إن الدارس والمحلل لأحداث ثورة 25
يناير وما دعت إليه من قيم وأفكار يستطيع
أن يكتشف ويستوحي العديد من القيم ، والتي يجب أن يحرص الآباء والمربيين على غرسها
عند طلابنا وأبنائنا ، فقد غيرت ثورة 25 يناير الكثير
من المفاهيم والقيم ، وحتمت علينا أحداث ثورة أخرى مماثلة على أساليب التعليم
والمناهج الدراسية بمدارسنا وجامعاتنا لتتلاءم مع ما حملته هذه الثورة من مفاهيم
جديدة ومنها الديمقراطية والمواطنة والحرية والمشاركة والإصرار على تحقيق الهدف
والعدالة الاجتماعية وغيرها.
فخلال تلك الثورة ارتفعت أصوات تنادى بالحرية والكرامة
والعدالة الاجتماعية ، أكدت ثورة 25 يناير أركانا رئيسية من خصائص الثورات عامة مع الأخذ في الاعتبار بعض خصوصيات الواقع
المصري وواقع مجتمع ما بعد الحداثة ، وذلك من تغيير علاقات القوة ليس فقط على الصعيد السياسي
ولكن أيضا على المستوى الإجتماعى والقيمى (8).
لقد عبر الشباب المصري في ثورته عن معارضته للنظام ، وأعلن عن
احتجاجه على أوضاع سياسية واجتماعية واقتصادية متدنية، تتمثل في مظاهر القمع وكبت
الحريات وتعسف الأمن واستخدام الشرطة لأساليب الترويع والتعذيب وتفاقم مشكلات
البطالة، وتزايد حدة الفقر، وتعاظم الفجوة في الدخول، وعدم تطبيق عدالة توزيع الثروة، وإصدار قوانين جائرة في الأجور
والضرائب (9) .
فقد سعت الثورة إلى ملء فراغ قيمي عانى
منه المجتمع المصري في الآونة الأخيرة، من خلال التأكيد على قيم العدالة والديمقراطية
والشفافية والصدق والاحترام ، وأخيرا وضعت أسسا مستحدثة للمواطنة باعتبار أن
الوطن ملك الجميع يشارك فيه جميع الأطياف بإيجابية بناءة أصبحت ملهمة ، وأجمل ما
اتسمت به هذه الثورة أنها اعتنقت أسلوب النمذجة في مجتمعها المصغر في ميدان
التحرير وما بعد ميدان التحرير، وبرهنت للعالم أجمع أن في استطاعة المرأة والرجل المصري أخذ زمام أمور
حياتهم بين أيديهم فهم قادرون على تنظيم أنفسهم وخدمة ذويهم ، وكذلك حماية مجتمعاتهم المصغرة حتى في غياب مؤسسات
الدولة(10).
إن التحليل العلمي للانطلاقة الثورية،
التي اندلعت في الخامس والعشرين من شهر يناير عام 2011 والتي تم تسجيلها ونشر
أفكارها علي نطاق واسع إلكترونياً من قبل مجموعات واعية من الشباب "المتعطش إلي الحرية" رافعا شعارات
مثل: الكرامة والعزة والسلام والديمقراطية، والعدالة والحرية، سيظل موضع اهتمام الباحثين
والعلماء ورجال الفكر والساسة في العالم أجمع ، حيث غيرت تلك الثورة من مقولات
شاعت في الأطر
النظرية التراثية تمسك بها أصحاب الفكر "الثوري التقليدي" حول طبيعة الفعل الثوري ومقومات
تشكيله(11).
وقد ساد روح التضامن والتعاون والمحبة والمساواة في مجتمع التحرير،
فهناك صناديق
لدعم المحتاجين وطعام يقسم بين المقيمين، وآراء يتم الاستماع إليها من خلال الحوار
السلمي واحترام الديانات وكذلك بين الإناث والذكور ، بل إن شباب التحرير أفرز مواثيق ومعايير للمواطنة الصالحة يصبغون في
هذه المنشورات
خصائص المواطن المصري وطبيعة السلوكيات والاتجاهات المنشودة ، من الحفاظ على نظافة
مجتمعاتهم ، إلى الصدق في إبداء الآراء السياسية والثقافية ، والجدية في محاربة الفساد والفتنة الطائفية(12).
إن النظر في أهداف الثورة
وما شهدته من أحداث وما قامت عليه من أهداف وأبرزته من أخلاقيات وقيم جديدة ،
يدعونا إلى محاولة الوقوف على هذه القيم والتعرف عليها حتى نجعلها مكونا أساسيا من
مكونات شخصية أبنائنا من خلال المؤسسات المجتمعية بصفة عامة والمؤسسات التربوية
بصفة خاصة ، وإذا كان لكل ثورة ثقافتها وقيمها وفلسفتها وأخلاقها، وأثرها
الاجتماعي السياسي والاقتصادي والفكري ، وقد كانت ثورة الخامس والعشرين من
يناير كذلك(13) ، فإن البحث في قيم تلك
الثورة - كما يؤكد رجائي عطية - واجب.. وهو واجب للزومها بعامة لكل ثورة
، وهو أوجب لهذه الثورة لأنها قامت وأنجزت بغير قيادة.. ، وهذا الغياب - للقيادة –
كاد أن يحرم هذه الثورة الرائعة غير
المسبوقة من آلية تكفل رعاية قيمها والالتزام بها(14) ، إضافة إلى أن هذه
الثورة انتقلت بالمجتمع المصري
والدولة – بطريقة شعبية سلمية ومتسامحة - من حالة سلبية إلى حال إيجابية،
ومن حال الركود والموت، إلى حال الحياة والحركة والتجدد، والتي تطبع الإنسان
والمكان والزمان بطابعها الجديد .
ومن هنا
تأتى أهمية هذه الدراسة من خلال محاولتها التعرف على تلك القيم من خلال محاولة
الإجابة عن التساؤل الرئيس التالي:
ما القيم التي يمكن
استنباطها من أهداف وأحداث ثورة 25 يناير ، وما الكيفية التي من خلالها يمكن
للمؤسسات التربوية أن تغرس هذه القيم لدى طلابها ؟
ويتفرع عن ذلك السؤال
الرئيس التساؤلات الفرعية التالية:
-
ما مفهوم
الثورة ، وما خصائصها ، وما المداخل المختلفة التي حاولت تفسيرها؟
-
ما
العلاقة بين الثورة والقيم ؟
-
ما أبرز
القيم التي يمكن اشتقاقها من أهداف وأحداث ثورة 25 يناير؟
-
كيف يمكن
للمؤسسات التربوية أن تغرس هذه القيم لدى طلابها؟
وللاجابة على تلك الأسئلة
سوف تسير هذه الدراسة وفق الخطوات التالية:
1-
استعراض
مفهوم الثورة وخصائصها والمداخل التي حاولت تفسيرها.
2-
شرح
وتوضيح العلاقة بين الثورة والقيم.
3-
عرض ابرز
القيم التى أمكن اشتقاقها من أهداف وأحداث ثورة 25 يناير، ودور المؤسسات التربوية
تجاه كل قيمة منها.
4-
بيان بعض
الأساليب والإجراءات
التربوية التى يجب على المؤسسات التربوية إتباعها لتنمية تلك القيم لدى الطلاب .
أولا مفهوم الثورة ، خصائصها
، مداخل تفسيرها :
إن وضع
مفهوم واضح ومحدد للثورة أمر صعب جدا ،
بسبب تنوع الفهم للمصطلح وتنوع اقتراب المفكرين منه ، كل حسب أيديولوجيته وحسب
اختصاصه ، فالاختلاف حول هذا المفهوم يكون - في
الغالب- إما للاختلاف العقائدي أو لتباين
التخصص العلمي .
ومن ناحية أخرى فإن مفهوم الثورة يختلف
بناءاً علي
خلفيات وقناعات معادية وأخرى مؤيده لفكرة الثورة ، فالطرف المعادي يدرس الثورة بهدف
التنبؤ بها وإجهاضها والحيلولة دون وقوعها بدافع المصلحة الخاصة ، حيث يرى هؤلاء أن الطغيان هو النظام الطبيعي في الثورات ،
وأن الثورة شذوذً وانحرافً ، و يرونها جهداً ضائعاً لأن المجتمع يمكنه أن يصل إلي
ما وصل إليه بالثورة بدون التضحيات و الخسائر التي تطلبتها الثورة.
أما الطرف المؤيد
فيدرس الثورة للصالح العام ، على اعتبار أنها وسيلة
المجتمع لتعديل النظم والسياسات ، فهي
قفزة من التشكيل الاقتصادي والاجتماعي البالي إلى تشكيل
أكثر تقدما ، وهي نوع من التغيير الجذري والعميق يستهدف اكتشاف الأخطاء وبناء
علاقات سليمة مكانها، تشيع العدل وتصنع التقدم(15)،
والواقع أنه إذا كان المصطلح يعبر عن دلالة الشيء ، والمفهوم
يكون الإنتاج المعرفي والتحليلي له ، فإن الأمر يستوجب أن تكون الثورة مفهوما وليست مجرد مصطلح .. ولأن
الثورات أيضا لا تتشابه لا في المعنى ولا في التطبيق ، فمن المؤكد أنها مفهوم
وليست مصطلحا، ذلك أن المفاهيم مرنة في حين أن المصطلحات شبه ثابتة (16)، ولذلك
فان ما نقصده بمفهوم الثورة هو المعنى العام أو الفكرة التي تساعد في معرفة الإطار العام لموضوعها .
والثورة (Revolution ) من المصطلحات المخضرمة التي واكبت ظهور الدولة والحياة السياسية
منذ ما قبل التاريخ ، ومع أن مفهوم الثورة الذي ساد على غيره من المفاهيم هو ثورة الشعب ضد الاستعمار أو ضد أنظمة استبدادية
، إلا أن مفردة الثورة لغة لا تقتصر على هذا الجانب بل تشمل كل فعل يؤدي إلى تغيير
الأوضاع تغييرا جذريا سواء كانت أوضاعا طبيعية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية (17).
الثورة مصطلح يستخدم في سياقات ومعان
عديدة ، إذ قد يكون إشارة إلى تغيرات جذرية وأساسية في حقل من حقول العلم والمعرفة ، كالقول بالثورة
الصناعية ، أو الاقتصادية أو الثقافية ، أو قد يكون إشارة إلى تحولات رئيسية في
البني الاجتماعية
والسياسية ، ففي حين نجد
من يستخدم مفهوم الثورة للدلالة على تغييرات فجائية وجذرية تتم في الظروف
الاجتماعية والسياسية ، أي عندما يتم تغيير حكم قائم وتغيير النظام الاجتماعي
والقانوني المصاحب له بصورة فجائية ، وأحيانا بصورة عنيفة (18) ؛ نجد
البعض الآخر يستخدمه للتعبير عن تغييرات جذرية في مجالات
غير سياسية كالعلم والفن والثقافة ، فهم يتحدثون عن الثورة العلمية والثورة التكنولوجية
والمعلوماتية والثورة الثقافية ...وغيرها(19).
الثورة لغةً مصدرها ثار وجمعها
ثورات وتعني اندفاع عنيف نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية تغييرا أساسياً ، وهى تعني الهيجان والوثوب
والسطوع ، أما الاصطلاح اللاتيني
Revolution المقابل
لكلمة ثورة باللغة العربية فهو تعبير فلكي الأصل شاع استعماله بعد أن أطلقه
العالم كوبر تيكوس (1473-1543) على
الحركة الدائرة المنتظمة والمشروعة للنجوم حول الشمس ، ولما
كانت هذه الحركة لا تخضع لسيطرة الإنسان
ولتحكمه فقد تضمنت الثورة معنى الحتمية ، أي انه فوق مقدور البشر مقاومتها ،
لقد استعمل هذا الاصطلاح للدلالة على التغيرات المفاجئة والعميقة التي تحدث في النظم السياسية
والاقتصادية والاجتماعية وقد كانوا قبل ذلك يستعملون تعبيرات أخرى مثل
التمرد والعصيان والفتنة وغيرها(20).
والثورة كمصطلح سياسي هي الخروج عن
الوضع الراهن سواء إلى وضع أفضل أو أسوأ من الوضع القائم
، فهي تشير إلى التغيير الذي يحدثه الشعب - من خلال أدواته "كالقوات
المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية أو بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه -
لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير
الاعتيادية (21)
فالثورة أداة تطور تاريخي للمجتمعات الإنسانية ، وهي حد
فاصل بين النظام القديم والجديد ، تحدث تغييرا جذريا في البناء السياسي والاجتماعي
والاقتصادي وحتى الثقافي ، ويستهدف هذا التغيير إفراز منظومة تجسد مطالب الثوار
وتحققها ، فهي نوع من التغييرات الجذرية في البني المؤسسية للمجتمع ، تلك
التغييرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهريا وجوهريا من نمط سائد ، إلى نمط جديد
يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة، وقد تكون الثورة عنيفة دموية ،
كما قد تكون سلمية ، وتكون فجائية سريعة أو بطيئة تدريجية(22).
في ضوء كل ما سبق يمكننا تعريف الثورة بأنها "نوع
من العمل الايجابي الذي يقوم به الشعب بهدف إحداث تغييرات جذرية للنمط السائد في
المجتمع ، واستبدالها بنط جديد يتوافق مع أهداف ومبادئ وقيم الثورة ، يستهدف
اكتشاف الأخطاء وبناء علاقات سليمة مكانها ، تشيع العدل وتصنع التقدم".
خصائص الثورة :
إن اغلب الثورات تكاد تجتمع على جملة من الخصائص تميز
العمل الثوري عن غيره وتتمثل تلك الخصائص فيما يلي(23):
1- الثورة تمثل قطاعا أكبر من المجتمع ضد فئة أصغر ، وغالبا
ما تكون هذه الأخيرة هي المستحوذة على القوة السياسية والاقتصادية ، فهي فعل
جماهيري شامل ، فحين تتأزم الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتصبح أحوال
الناس لا تطاق ، وعندما تتباعد الشقة ما بين الحكام والجماهير وتغيب وسائل التعبير
السلمي عن المطالب ، لا تجد الجماهير أمامها إلا التحرك لتغيير الأوضاع تغييرا
جذريا.
2- الثورة حدث يغير مسار
التاريخ ، فهي نقطة تحول في تاريخ الشعوب ، فما
قبل الثورة يختلف عن ما بعد الثورة ، حيث تقوم الثورة
على الحلول الجذرية وترفض حلول الإصلاح لأنها في الأصل تغيير راديكالي يقوم ويرتكز
على راديكالية المطالب ، فالثورة ترتكز على أسس جديدة ومغايرة للنظام القديم
لترسيم دعائم بناء جديد على قواعد جديدة.
3- التغيير
هو شعار كل ثورات الشعوب ، وإن اختلفت الثورات في مضمون وجوهر التغيير المبتغى ،
ونجاح الثورة أو فشلها يكمن في تحقيق مبدأ الثورة في تغيير شامل وجذري
4-
التغيير الناجم
عن الثورة يكون سريعا ومفاجئا وهو سريع الانتشار بين قطاعات الجماهير، فالثورة
تغيير يتم في وقت قصير نسبيا ، بحيث لا يصدق المرء أن التغيير قد حدث فعليا .
5-
التغيير الذي تسعى الثورة إلى تحقيقه يكون تغييرا شاملاً اجتماعياً وسياسيا وثقافياً ، فكل ثورة لم تنتقل
بالمجتمع انتقالا جذريا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وفكريا،
فهي ثورة قاصرة ناقصة، بل لا يصدق عليها أنها ثورة ، حتى ولو أسقطت نظاما وأقامت
آخر، فنجاح الثورة لا يكون فقط في تغيير النظام السياسي ، وإنما يتعدى ذلك الإطار
ليشمل النظام الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ....وغيرها ، ولذلك فإن التغيير الناجم عن الثورة لابد وأن يشمل تغييراً فى نسق القيم والمعتقدات
بما يتلاءم والمرحلة الجديدة ، فلكل
ثورة ثقافتها وقيمها وفلسفتها وأخلاقها.
6-
الثورة تحدث في مجتمع تسوده علاقات ظالمة ويعم فيه فساد يكاد يكون شاملاَ ،
بحيث تكون حرية السواد الأعظم من أفراده غير مصانة ، ضائعة ، أو أن تكون مجرد
شعار يرفعه من يقمع هذه الحرية.
7-
من خصائص الثورة أنها تتكرر كما أنها سريعة الانتقال بين
المجتمعات وعبر الدول ، والتاريخ خير شاهد على موجات المد الثوري في العالم ،
فالثورة التونسية- على سبيل المثال - كانت نقطة انطلاق للكثير من الثورات العربية
المصرية والليبية واليمنية وأخيرا وليس آخرا الثورة السورية.
8- الثورة تبدأ فكرية ، فالجماهير لا تثور
إلا إذا عرفت علي ماذا تثور ، فالثورة ليست هدفاً في حد ذاته إنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف ، بفعل
واع وإرادة حرة ، من أجل حرية
الإنسان وسعادته واحترامه ، فهو مشروع حضاري متكامل سياسي واجتماعي واقتصادي ، يخرج عن كونه انقلاباً سياسياً أو تمرداً.
ففلسفة
القرن الثامن
عشر وما قبله- فلسفة التنوير- والتي طرحت مبادئ مناقضة للواقع السائد سياسيا
واجتماعيا واقتصاديا في فرنسا " ، كانت أهم العوامل التي أدت إلي الثورة
الفرنسية لتكون مؤسسة علي أيديولوجية المساواة والحرية فى مواجهة النظام القديم المؤسس علي الامتياز وسلطة الملك
المطلقة.
ولذلك
تحتاج أى ثورة إلي قيادة ثورية ، تقوم بتوعية الجماهير ، التى لم تصل إلي هذه
الدرجة من الوعي للأسباب التي ذكرناها ، فتتوسع قاعدة الوعي ، وتقوم القيادة
الثورية المثقفة
، بإقناع الجماهير بأن الوضع الحالي لا يمكن احتماله ، واستمراره وتعمل على نقده
وتحطيم شرعيته في عقولهم ، وتطرح البديل الذي يحل محله ، وتوضحه وتفهمه للجماهير ، لاستيعابه وتكوين صورة مسبقة له ،
لضمان انحياز الجماهير للثورة(24).
المداخل المختلفة التي حاولت تفسير الثورة :
تتعدد المداخل النظرية المفسرة لظاهرة
الثورة وتتنوع ، فكل مدخل أو نظرية اقتربت من الثورة من خلال زاوية معينة ، ومن
أسباب هذا الاختلاف التفسيري التباين الأيديولوجي واختلاف التخصص العلمي ، إضافة
إلى أن الثورة وليدة سياق اجتماعي خاص بكل مجتمع ودولة ، ولا يمكن فهم الثورة إلا
من خلاله ، ومهما حاول المنظرون إعطاء قوانين ثابتة للثورات والتنظير لها ، تبقى
كل ثورة متفردة عن غيرها من خلال أسبابها وظروفها الخاصة، إلا أن استعراض تلك المداخل
وتناول اجتهادات المفكرين من مختلف التيارات حول تفسيرها ، يمكن أن يساهم تحقيق
مزيد من الفهم لها كظاهرة إنسانية.
والواقع انه توجد مداخل عديدة حاولت
دراسة الثورات ، وتقديم تفسيرا لها ولكيفية ومبررات حدوثها ، بعضها مداخل فرعية
والأخرى مداخل رئيسية ، وسنحاول في العرض تناول أهمها وأكثرها شيوعا على النحو
التالي(25).
مدخل البنائية الوظيفية :
ويستند
هذا المدخل إلى النظرية
البنائية الوظيفية في علم الاجتماع ، والتي تعد من ابرز النظريات التي حاولت تفسير
ظاهرة الثورة ، وكشف المصادر الموضوعية للتغيير الثوري داخل نسق الظواهر
الاجتماعية ، ومن ابرز دعاتها تالكوت بارسونز الذي يعتبر الثورة انحرافا مرضيا
يؤدي إلى خلخلة التوازن في بناء السلطة .
إن لب التناول البنائي
الوظيفي في تفسير الثورة هو مفهوم القيم ، فترى البنائية الوظيفية أن النسق
الاجتماعي سيواجه صعوبات حين لا تستطيع القيم القائمة تفسير التغييرات في الجوانب
البيئية المحيطة ، الأمر الذي يتطلب احتياج البيئة المحيطة إلى قيم جديدة تكون
لديها القدرة التفسيرية ، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق التطور أو الثورة ، وفى هذا
السياق يرى روبرت مرتون أن الاختلالات الوظيفية يمكن أن تفضي إلى حالة من عدم
الاستقرار ، وان التمرد هو استجابة لهذه الحالة ، والاختلال الوظيفي الذي
يتعرض له المجتمع يوجب التعديل أو التغيير ، وإذا قاومت السلطة هذا التغيير فإن
التغييرات تكتسب طابعا ثوريا
وقد لقيت هذه النظرية العديد من الانتقادات من بينها
أنها لا تشير إلى مصدر الاختلال الوظيفي ، أو سبب التناقضات الاجتماعية ، ولا تميز
بين مظاهر الاختلال الوظيفي وبين التناقضات التي تظهر في أي مجتمع ،سواء تلك التي
تؤدي إلى الثورة أم التي لا تؤدي إليها .
المدخل
النفسي :
ويحاول هذا المدخل أن يبحث عن العوامل النفسية التي تدفع
بالشخص لكي يشارك في الحركات الثورية ، ويتزعم هذا المدخل جوستاف لوبون الذي يعرف
الثورة على أنها " مجموعة من التحولات الفجائية في المعتقدات والأفكار
والمذاهب " ، ويرى جوستاف أن المشاعر والعواطف هي دعائم المعتقدات السياسية
والرئيسية .
وهناك من علماء النفس من يرى الثورة تعبيراً عن
سيكولوجية الحشد ويقارنونها مع الارتدادات إلى العقلية البدائية التي يمكن
ملاحظتها في حالات الانهيار العصبي .
مدخل
المادية التاريخية :
تنطلق المادية التاريخية من التفسير المادي للتاريخ ،
وترى بأن التناقض هو سبب التطور ، وتطبيق هذا المذهب يؤدي إلى تفسير سير التاريخ
بالتناقض بين مكونات الجانب المادي للمجتمع ، وترى هذه النظرية أن الصراع بين
المصالح المختلفة ، والمتعارضة أحيانا داخل النسق السيسيولوجي ضرورة لازمة للتغيير
الاجتماعي ، ويعتبر ماركس أن الصراع الطبقي هو الموضوع الرئيسي للتاريخ ولا يمكن
أن ينتهي إلا بالثورة .
كما يعتقد ماركس أن
القوى الإنتاجية في المجتمع تدخل في مرحلة من تطورها في صراع مع علاقات الملكية
ومع الإطار الاجتماعي والسياسي القائم ، وعندما تصبح علاقات الملكية معوقة للإنتاج
تحدث أزمة وتبدأ حقبة من الثورات الاجتماعية ولا تستطيع الطبقات الحاكمة ، ولا
تريد الطبقات المستغلة أن تعيشا معا في ظل الشروط القائمة ، وهذا التناقض بين
الطبقات هو الذي يفضي إلى ثورة عنيفة .
لكن ما يعاب على هذا
المدخل التفسيري رغم جهده النظري الذي قدمه لتفسير الثورة ،هو تركيزه فقط على
الحتمية الثورية الناتجة عن الأسباب الاقتصادية ، وإغفاله بل ونفيه المطلق لباقي
الأسباب المؤدية للثورة .
مدخل الحق الطبيعي :
وتجسد هذه النظرية المفهوم البرجوازي للثورة وتعبر عن
آراء أنصارها ، فيعتقد دعاة نظرية الحق الطبيعي أن الثورة ضرورية لتوطيد الحرية
والإخاء والمساواة ، وكانت النظريات البرجوازية من أول نظريات الثورة في علم
الاجتماع ، وتؤكد هذه النظرية أن الأفعال الثورية ضرورية بسبب حقوق طبيعية معينة
للإنسان ، وبعض المبادئ الخالدة عن العدالة وليس بسبب الحاجات المادية الناضجة
للتقدم الاجتماعي ، وقد انقلب دعاة هذه النظرية فيما بعد على الثورات واعتبرها
عارضا غير طبيعي في المجتمعات ، كما لقيت هذه النظرية نقدا شديدا من سان سيمون و
اوغيست كونت وكارل ماركس ، إذ وصفها الأخير بأنها ليست علمية وأكد على الطابع
الحتمي للثورات التي تحدث نتيجة ضرورات اقتصادية.
المدخل الفوضوي :
نجد من أبرز دعاة هذا المذهب كل من برود ون وكروبوتكين ، وذهبوا جميعا إلى
أن الثورات تحاول تحقيق العدالة بواسطة القوة ، ولكن الذي يحدث فعليا هو أن يحل
استبداد محل آخر ، ومع ذلك فإن كل ثورة مهما تفككت وأصابها الإفلاس تدخل على
المجتمع قدرا معينا من العدالة ومن شأن هذه الإنجازات الجزئية أن تفضي في النهاية
إلى انتصار العدالة.
إن استعراض تلك المداخل يشير إلى أنه
توجد تحفظات عديدة على كل مدخل من تلك المداخل حيث قدم كل مدخل من هذه المداخل
تفسيراً جزئياً لجانب واحد من جوانبها ، وترى الدراسة أنه يمكن تفسير الثورة انطلاقا
من المدخل الشمولي الذي يسعى إلى الجمع بين هذه المداخل في مدخل واحد، هذا من جانب
، ومن جانب آخر فإننا نرى أنه لا يمكن
الاعتماد على مدخل واحد من هذه المداخل لتفسير جميع الثورات ، نظرا للتباين الواضح
في طبيعة كل ثورة وطبيعة وظروف المجتمع الذي تتم فيه.
ثانيا
: العلاقة بين الثورة وتغيير منظومة القيم:
تتضح العلاقة بين القيم والثورة من خلال
ما سبق عرضه من تعريف للثورة باعتبارها تغييراً جذري في المجتمع ، ومن أن القيم
ضرورية لإحداث هذا التغيير وملازمة لحدوثه بل وتكون شرطا أساسيا لنجاحه ، انطلاقا
من أنها تتصل اتصالا مباشرا بالسلوك إنسانى فهي التي تحدده وتوجهه في مجالات
الحياة كافة ، وتقف وراء جميع التغييرات في الأنشطة الإنسانية والتنظيمات
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
وإذا كان لكل مجتمع نظام أو نسق متعارف
عليه من القيم ، يشترك فيه أفراده ، و لكل فرد منهم قيمه الخاصة به ، والتي تميزه
عن غيره من الأفراد ، إذ يتخذ من نسق المعايير والقيم موجهاً لسلوكه ونشاطه ، فإن
القيم في الوقت ذاته لازمة لأي مجتمع لكي تنظم أهدافه ومثله العليا كي لا تتضارب
قيمه ، وبالتالي ينتابها صراع قيمي اجتماعي يؤدي بذلك المجتمع إلى التفكك وعدم
الرضي والحاجة إلى التغيير والثورة .
إن الدارس والمحلل لثورات الشعوب
المختلفة خاصة الناجحة منها ، يجد أن الثورات الحقيقة ليست هي الثورات التي تعنى
فقط بتغيير نظام الحكم ، وإنما ينبغي أن يمتد أثرها إلى نظم وأنساق القيم ، فتسعى
إلى تغيير القيم غير المرغوب فيها والتأكيد على القيم الأخرى التي تتفق وأهداف
وطموحات ورغبات من قاموا بتلك الثورة ، كما أنها تمتد بالإضافة إلى ذلك إلى تغيير
أنماط التفكير التي كانت سائدة قبل قيامها ولذلك فهم يرون أن الثورات الناجحة
ينبغي أن تتعلق بمجالات أو ثورات ثلاثة سياسية واجتماعية وثقافية أو فكرية .
فالثورة لا تتعلق فقط بتغيير نظام الحكم ، بل الثورة الحقيقية – بالإضافة
إلى ذلك - هي تلك التي تعيد بناء منظومة القيم ، وتعدل
السلوك الفردي والمجتمعي ، لضمان تحقيق أهدافها والمتمثلة فى رقى المجتمع ونهضته.
فالعلاقة بين الثورة والقيم علاقة
متلازمة لايمكن أن تحدث إحداها دون الأخرى ، ودون يكون لها صدى ونتائج على الأخرى
، فالثورة تحدث عندما يحدث خلل أو صراع قيمي ، وقيام الثورة ونجاحها يؤدى إلى
ضرورة بل وحتمية إحداث تغيير في القيم ونسقها ، بما يتسق وأهداف وغايات تلك
الثورة.
وانطلاقا من ذلك سعت دراسات عديدة إلى
التعرف على ما أحدثته ثورة 25 يناير من تغييرات في القيم والاتجاهات السائدة لدى
الأفراد بعد الثورة ، وما أدى إلى تغييرات في النسق والقيمى لدى فئات عديدة من
أفراد الشعب المصري ، حيث أشارت إحدى تلك الدراسات إلى وجود فروق ذات دلالة
إحصائية بين متوسطات درجات الطلاب في استبانة النسق القيمى قبل وبعد ثورة 25
يناير، وأن تلك الثورة أعادت تشكيل الكثير من معارف الإنسان المصري ومفاهيمه وقيمه بشكل إيجابي بعد ثلاثين عاما من الفساد
والظلم والاستبداد ، وزادت من ثقته في ذاته وثقته في الآخرين ، وزادت من قدرته على
اختيار وتبنى قيم الحرية والعدالة والمواطنة وحب الوطن وغيرها من القيم المرتبطة
بحقوق الإنسان(26) ، كما أشارت دراسة أخرى إلى أن تلك الثورة كان لها تأثير واضح على
تغيير الاتجاهات السلبية نحو المشاركة السياسية لدى طلبة الجامعة (27)
ولذلك يرى الكثيرون أن ثورة 25 يناير قد
فجرت في الواقع المصري- والعربي - ثلاث ثورات في ثورة واحدة هي: (28)
1ـ ثورة سياسية من أجل
تغيير النظام السياسي القديم،
2ـ
وثورة اجتماعية من أجل تغيير نظام القيم السائدة،
3ـ وثورة ثقافية من أجل تغيير نظام التفكير السائد.
ففيما يتعلق بثورة تغيير نظام القيم في
المجتمع المصري :
فإن المحلل لأحداث وأهداف ثورة 25 يناير يجد أنها لم تكن مجرد ثورة على النظام السياسي، بل كذلك
ثورة علي نظام القيم السائدة ، ثورة على الفساد وقيمه وأدواته ورموزه والثقافة
التي سادته لثلاثة عقود ، وقدمت هذه الثورة قيماً مغايرة وسلوكاً مغايراً أذهل
العالم ، بما انطوي عليه هذا السلوك من قيم حضارية وقدرة علي المبادرة
والصمود والتصميم والتنظيم والحوار، وقد جاءت ثورة 25 يناير " ثورة للتغيير " محملة بنداءات ومضامين قيمية ( الحرية ، العدالة الاجتماعية ، الكرامة الإنسانية ) ، فالثورة
لا تتعلق فقط بتغيير نظام الحكم ، بل الثورة الحقيقية – بالإضافة إلى ذلك - هي تلك التي تعيد
بناء منظومة القيم ، وتعدل السلوك الفردي والمجتمعي ،
لضمان تحقيق أهدافه والمتمثلة فى رقى المجتمع ونهضته.
فقد كان ميدان التحرير والميادين الكبرى
في المدن المصرية
مسرحاً عبقرياً للتغيير السياسي والثقافي، للهدم والبناء، ظهر فيه الجوهر الديمقراطي
الحضاري للشعب المصري، حيث يتسم هذا الجوهر بالقدرة علي المبادرة والصمود والتضحية والجماعية وممارسة الحرية، ففي ظل
هذه الأنساق من القيم الجديدة مارس الشعب حريته، ناضل وقدم التضحيات من الجرحى
والشهداء ورقص
وغنى أغانى الثورة والحرية، ومارس حبه للوطن، وأعاد اكتشاف معنى الوطن، ومعنى العلم،
ومعنى مصر، ومعنى أن تكون مصرياً فترفع رأسك وتفتخر بمصريتك ، وفي ظل هذا التألق والتوحد الإنساني ذابت فروق كثيرة
أريد لها أن تظهر لزمن طويل سابق ، وذابت فوارق كثيرة أريد لها أن تتعمق في
ظل النظام السابق
، توحد المصريون مسلمين ومسيحيين ، وتوحدوا معاً من كل ألوان الطيف السياسي
والاجتماعي ، وساروا معاً وهتفوا معاً وغنوا معاً( تغيير، حرية ، عدالة اجتماعية)،
هتفوا معا بكلمة الشعب الذي يريد إسقاط النظام، وهتفوا معاً للدولة المدنية الديمقراطية التي يريدونها بديلاً لدولة
القهر والفساد
والاستبداد والظلم الاجتماعي (29)
.
لقد تحول ميدان التحرير خلال أسابيع
الثورة إلى مدينة تحكمها قيم الثورة الجديدة: العدالة، الحرية، الكرامة، قيم أخلاقية
اجتماعية سياسية ثقافية، يتساوى فيها البشر بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو
الطبقة ، وسقطت في ظل تلك الثورة أخلاق النفاق والكذب والخيانة والانتهازية
والسرقة والنهب والعنف في الدولة أو العائلة أو في الشارع ، تغيرت أخلاق الناس
في الشارع ، سقطت الحواجز المفروضة بين الناس، أصبح الشعب المصري كأنه أسرة واحدة يبتسمون بعضهم للبعض،
يحيون بعضهم البعض دون سابق معرفة. (30)
نجحت ثورة 25 يناير بشبابها وشيوخها وفئاتها المتنوعة في توجيه
معولها النبيل نحو نظام القيم الذي ساد في المجتمع المصري لزمن طويل، وكان
كثيرون من أفراد
النخبة والفئات الشعبية قد ظنوا أن تلك الأنساق من القيم السلبية والتدميرية قد سادت
وتمكنت إلي الأبد، وظن بعضنا ألا راد لها بعد تسيدها في المجتمع المصري بأغلب مؤسساته، وبسبب الارتباط وثيق الصلة لهذه
القيم برموز
النظام السياسي البائد. (31)
لقد فجرت تلك الثورة وأحيت قيم الانتماء والمواطنة، والفخر
والاعتزاز بالوطن لدى أفراد الشعب المصري ، فعشرات الشباب والأطفال قاموا بالتطوع
في حملات لتنظيف الشوارع والميادين. لتعود الإيجابية وروح المشاركة في الشارع
المصري
، فالثورة فتحت آفاقاً جديدة وفتحت المجال للعديد
من الإصلاحيين لنشر فكرهم والعمل في مناخ
ديموقراطى حر ، قد يلعب دوراً في بناء منظومة قيم ، تدفع نحو تقدم ونهضة
مصر. (32)
ثالثا : ابرز القيم التي يمكن اشتقاقها
من أهداف وأحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، وكيفية تنميتها لدى طلابنا :
في ضوء ما سبق وبنظرة تحليلية لأهداف
وأحداث ثورة 25 يناير نستطيع أن نستنبط العديد من القيم التي كانت سائدة أثناء
وبعد قيام الثورة أو التي كانت من أهم مطالبها وأهدافها ، ومن ابرز هذه القيم ما
يلي:
1- الحرية
:
منذ القدم والإنسان يحارب ويناضل ويدفع الغالي والنفيس في
سبيل حريته …..
وفي أحيان كثيرة يدفع حياته ثمنا لهذه ، باعتبارها ضرورة من الضروريات الإنسانية في كل العصور وفى مختلف المجتمعات ، وهى مسألة وجودية ذات علاقة أصيلة ووثيقة بكيان الإنسان ووجوده (33) ، حتى العبد لا تختلف حريته عن حرية المواطن إلا من حيث الدرجة ، فالمواطن ليس تام الحرية والعبد ليس تام العبودية ، "فالحرية في جوهرها صدى الفطرة البشرية ، ومعنى الحياة ، فالإنسان خلق ليعز لا ليذل ، وليفكر بعقله الحر ، ويهوى بقلبه ، ويسعى بقدمه ، ويكدح بيده ، وجميعها مناطها وبيت القصيد منها الحرية" (34) ، متمثلة في التحرر من القيود التي تكبل طاقاته وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية ، وألا يخضع لقيود على إرادته، وأن يتمكن من التفكير والفعل دون قيود من جانب أحد .
وفي أحيان كثيرة يدفع حياته ثمنا لهذه ، باعتبارها ضرورة من الضروريات الإنسانية في كل العصور وفى مختلف المجتمعات ، وهى مسألة وجودية ذات علاقة أصيلة ووثيقة بكيان الإنسان ووجوده (33) ، حتى العبد لا تختلف حريته عن حرية المواطن إلا من حيث الدرجة ، فالمواطن ليس تام الحرية والعبد ليس تام العبودية ، "فالحرية في جوهرها صدى الفطرة البشرية ، ومعنى الحياة ، فالإنسان خلق ليعز لا ليذل ، وليفكر بعقله الحر ، ويهوى بقلبه ، ويسعى بقدمه ، ويكدح بيده ، وجميعها مناطها وبيت القصيد منها الحرية" (34) ، متمثلة في التحرر من القيود التي تكبل طاقاته وإنتاجه سواء كانت قيودا مادية أو قيودا معنوية ، وألا يخضع لقيود على إرادته، وأن يتمكن من التفكير والفعل دون قيود من جانب أحد .
وبالرغم من أن
التاريخ البشرى عبر كافة الحضارات عرف ممارسة الحكومات لأساليب القمع والاعتداء
على الحريات ، فإن التاريخ أثبت أيضا أن المجتمعات تتجه في النهاية إلى تأكيدها
والمطالبة بها ، نظرا لوجود رغبة طبيعية لدى البشر جميعا لأن يكونوا أحراراًٍ ، بل
وامتدت المطالبة بها لتشمل شعوب الدول غير المستقلة والتي كانت ضحية للاستعمار الأجنبى
حيث حرية الوطن لا تنفصل عن حرية المواطن(35).
وانطلاقا من ذلك كانت الحرية مطلبا أساسيا من مطالب الثوار بل الشعب المصري
الذي حرم من تلك الحرية ، ومن التعبير عن رأيه بحرية في ظل نظام دكتاتوري وتسلطي
دأب على تزييف إرادة الشعب وتزوير انتخاباته ، وتمثل ذلك في أبرز شعاراتها ، "حرية...
عدالة اجتماعية... كرامة إنسانية ، " يا حرية فينك فينك ....أمن الدولة بينا وبينك" ، حرية حرية " ، "كرامة حرية عدالة اجتماعية".(36) ، كما جاءت قيمة الحرية التي نادت بها ثورة 25 يناير
2011 متناغمة مع عصر الحرية التي أصبحت السمة الرئيسية للقيم الكونية مع مطلع
القرن الحادي والعشرين (37).
والواقع أن تنمية تلك القيمة وغرسها لدى
أبنائنا يمكن أن يتم من خلال خلق مناخ أو بيئة تعليمية مناسبة تشجع الطلبة على اكتساب هذه القيمة، كذلك يتحدد هذا الدور من خلال المعلم الذي يجب أن يكون قدوة حسنة أمام الطلبة وقيامه بدور المربي الفاضل الذي تتجسد في شخصيته تلك القيمة ويكون أقرب إلى الديمقراطية ويكون علاقات ودية بينه وبين الطلبة ، يحترمهم ويسمح لهم بالتعبير عن رأيهم بحرية كاملة ، وأن نكفل لهم حرية اختيار وتنظيم الأنشطة والفعاليات الطلابية ، كما
أن الأنشطة الطلابية يمكن أن تلعب دوراً مهماً في هذا المجال من خلال تجسيد هذه
القيمة فيما يمارسه الطلاب من أنشطة ، إضافة إلى ذلك - بل وقبل ذلك - يأتي دور المقررات والخطط الدراسية في
تنمية قيمة حرية التعبير عن الرأي بما تتضمنه من محتوى معرفي ومواقف تسهم إسهامًا كبيرًا في هذا الجانب. (38)
إن
غرس
وتنمية تلك القيمة لدى أبنائنا- من خلال إدراج
ثقافة وقيمة الحرية في
المنظومة التعليمية -
يتطلب أفقا
زمنيا طويل
الأمد حتى
تؤتي أكلها
وتنضج ثمارها،
وهي في
جميع الحالات
في حاجة
إلى التكامل والتواصل المستمر
مع مؤسسات
المجتمع الأخرى.
2- الانتماء
والاعتزاز بالوطن :
يعد الانتماء قيمة من
أهم القيم التي كانت ولا تزال موضع اهتمام معظم الفلاسفة والعلماء والمربين علي اختلاف العصور، نظرا لأنه "
أحد دعائم بناء الفرد والمجتمع والأمة، وبدونه لايمكن للفرد أن يدافع عن وطنه
ومجتمعه ويحميه أو يساهم بإخلاص في بنائه " (39)
، فهو اتجاه إيجابي يستشعره الفرد تجاه وطنه ، مؤكداً وجود ارتباط وانتساب نحو هذا الوطن – باعتباره عضواً
فيه – ويشعر نحوه بالفخر والولاء ، ويعتز بهويته وتوحده معه ، ويكون منشغلاً
ومهموماً بقضاياه ، وعلى وعي وإدراك بمشكلاته ، وملتزماً بالمعايير والقوانين والقيم
الموجبة التي تعلي من شأنه وتنهض به ، محافظاً على مصالحه وثرواته ، مراعياً الصالح
العام ، ومشجعاً ومساهما في الأعمال الجماعية ومتفاعلاً مع الأغلبية ، ولا
يتخلى عنه حتى وإن اشتدت به الأزمات(40).
على الرغم من التدهور
الشديد في هذه القيمة لدى المصريين قبل الثورة وخاصة لدى الشباب ، والذي تمثل في
مظاهر عديدة من أبرزها ضعف المشاركة في معظم الأنشطة التي تتعلق بالمجتمع ،
والرغبة الجامحة في ترك الوطن من خلال الهجرة غير الشرعية وغيرها.
فقبل الثورة, نتيجة لممارسات النظام البائد ،
ضَعُفَ الانتماء الوطني، خصوصًا لدى الشباب، بسبب عدم تكافؤ الفرص، وعدم الإحساس
بالعدالة والكرامة ، وعدم توفر الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة من مأكل وملبس ، عدم
توافر الحرية والتعبير عن الراى ، وعدم التوزيع العادل للثروات
، واحتكار أصحاب النفوذ لها ، وإهدار كرامة الشباب وإذلالهم وتعذيبهم ، جعلهم لا
يفضلون الانتماء للبلد التي تفعل فيهم هذا ، فبدلا من ان يموت الشاب
المصري من أجل وطنه وحريته وكرامته.. كان يموت قبل الثورة غرقًا في قوارب الهجرة
غير الشرعية للخروج من الوطن(41).
أما بعد الثورة, فقد اختلف الأمر كثيرًا حيث تحسنت حالة الانتماء كثير وقد تمثل ذلك في تمسك شباب ثورة يناير
بوطنهم ، فدافعوا عنه بحب واعتزاز ، حموا ممتلكاته من أيدي المخربين ، حرسوا المتحف
والأماكن الأثرية
وحرسوا بيوتهم من خلال اللجان الشعبية ، وفقد الكثير منهم أرواحهم فى سبيل استرداد كرامة
هذا الوطن وحريته .
وقد انعكس هذا من
خلال رفع الأعلام المصرية بكثافة عالية في المظاهرات والمسيرات, وترديد شعار
"ارفع رأسك أنت مصري", واهتمام الشباب بنظافة الشوارع وتجميلها,
والمطالبة باسترداد المال العام والمحافظة عليه، لقد شعر الناس أن بلدهم كانت
مخطوفة وعادت إليهم ، واختفت عبارة "دي بلدهم مش بلدنا", وعاد الشعور
بملكية الوطن والرغبة في رفعته ، وخلال الثورة وبعدها بدأ الشباب يتكلم ويفعل بكل
فخر ما يثبت انتماءه العميق لهذا البلد ، وأنه جزء منه ، وبأن صوته هو
الذي يصنع قراره.. هذه العوامل وغيرها أسهمت في زيادة الانتماء لدى الشباب
، وهذا إن دل إنما يدل على تأصل هذه القيمة في نفوس هؤلاء الأبطال ، وذلك ما يجب
أن ينشأ عليه أبناؤنا من هذه اللحظة منذ نعومة أظافرهم بل وهم أجنة في بطون
أمهاتهم. (42).
إن اللجان الشعبية
التي أفرزتها
ثورة 25 يناير للدفاع الذاتي عن أمن الأحياء والشوارع والمؤسسات الهامة نابعة بالدرجة
الأولى من تعاظم شعور المصريين بانتمائهم لهذا الوطن، وواجبهم للدفاع عنه ضد أي خطر يتهدده. فاللجان كانت تقوم
بحراسة الشوارع، وعمل كمائن لضبط الخارجين على القانون والمخربين وتسليمهم
للقوات المسلحة، كما قام المواطنون بتنظيم حركة المرور فـي الميادين والشوارع،
بالإضافة إلى المتظاهرين الذين دافعوا عن تاريخ أجدادهم وبلادهم من السرقة
والنهب بحمايتهم
ومحافظتهم على المتحف المصري من محاولات سرقته وتخريبه.
هذا الانتماء رافق وبصورة واضحة تغير
صورة الذات لدى المصرين ، من المؤكد أن هناك تغيرا إيجابيا في صورة الذات لدى
المصريين بحيث أصبح المصري يشعر بقدرته على إحداث التغيير ويشعر بالفخر والاعتزاز
أنه أنجز ثورة سلمية رائعة بهرت العالم كله, وأنه أسقط نظاما دكتاتوريا مستبدا في
فترة وجيزة، والنقلة في صورة الذات واضحة جدا خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الصورة
السلبية التي كانت سائدة قبل الثورة وكانت مليئة بمشاعر الدونية والإحساس بالهوان
والضعف وقلة الحيلة والمذلة والخضوع لدرجة جعلت المصريين يكرهون أنفسهم ويكرهون
بعضهم بل وربما يكرهون مصريتهم ويشكلون أحلامهم خارج حدود الوطن. (43).
فـي 25 يناير استعاد المصريون ثقتهم فـي
أنفسهم وفـي شباب وطنهم الذين استطاعوا أن يغيِّروا الواقع، وأن يعبِّروا عن أفكارهم وآرائهم بشكل سلمي ومتحضر
أذهل العالم كله، فهذه الثورة أسقطت عن الشباب الكثير من الإدعاءات
والاتهامات التي لحقت بهم مثل السلبية وعدم الوعي وعدم الانتماء، فهذه الثورة
أثبتت للجميع أن المصريين لديهم القدرة على تغيير الواقع، ولديهم إرادة
شعبية قوية لتحسين المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي للدولة.
أما عن كيفية غرس وتنمية قيمة الولاء
للوطن لدى أبنائنا فإن
الوسائل في ذلك كثيرة ،
منها ، ربط حب الوطن بالدين والتدين، والتأكيد على أنه من
الإيمان ، وضرب الأمثلة من حياة النبي والصحابة والصالحين عبر
التاريخ في حبهم لأوطانهم، ووضع برامج وتنظيم محاضرات وندوات ولقاءات تبرز أمجاد
الوطن السابقة والحالية ، وتخصيص زيارات منتظمة للمواقع
التاريخية والأثرية التي تبرز تاريخ الوطن وأمجاده ، ومن ثم تنمي فيهم الشعور
بالانتماء للوطن وضبط مساحة الوطن في حياة الطالب ، وأنه جزء
منه ، والتعبير الدائم عن الفخر بالانتماء لهذا الوطن ، وتوضيح أسباب منطقية
يستوعبها عقله لهذا الانتماء، مثلً توضيح تاريخ الوطن، وكفاح أبنائه،
وما يتميز به الوطن من خيرات ومآثر ونعم ومزايا ،
والعمل على تطوير المقررات الدراسية والأنشطة الطلابية بحيث تحتوى على
موضوعات تكسب الهوية الوطنية وتربطهم
بوطنهم ديناً وأرضاً وتاريخاً , ومن ثم تستنير لديهم مشاعر
الفخر والاعتزاز بالانتساب لعقيدتهم ووطنهم ، والقراءة في سير أبناء الوطن
الناجحين عبر التاريخ
من علماء وأدباء ومفكرين, وتعريفهم ، بما يتهدد هذا الوطن، ودرونا في
حمايته، وأنه مسئول عن ذلك حسب عمره ومكانه. (44).
والواقع أن مجتمعاتنا العربية تعيش نوعًا من التغييب المتعمد لمسألة
الانتماء بالمعنى الذي نتحدث عنه , فهي إما أنها تعرض مفهوم الأوطان جامدًا، بمعنى
المكان الذي ينتفع منه الناس ويتكسبون فيه أرزاقهم, أو بمعنى
اضطراري إرغامي لازم أو غيره , أما عرض مفهوم الانتماء لأبنائنا على
اعتباره قيمة إنسانية فكرية عاطفية دينية ومبدأ ينتمي لمبدأ الانتماء
للإسلام فقليل ما هو. وبالتالي نجد أناسًا يبيعون أنفسهم وأوطانهم بأبخس
الأثمان ، وآخرون يهرولون للخارج هربًا من صعوبة الداخل(45)..
والواقع أن تنمية الانتماء الوطني لدى أبنائنا يحتاج إلى عمل
مستمر وجهد لا يتوقف،
من المؤسسات الثلاث المسئولة عن تركيبة العقل والوجدان المصري: التعليم والثقافة
والإعلام، ومن خلال الدوائر التي تحيط بالفرد: الأسرة,
والأصدقاء والأصحاب والزملاء والمعارف, ثم المجتمع والدولة
، "فدعم روح الانتماء يبدأ من أسرة متماسكة متحابة ، ومؤسسات تعليمية متطورة
وناضجة ، وإعلام صادق متوازن يدعم الجوانب الايجابية في المجتمع ، وخطاب ديني
معتدل ومتسامح وإشباع للحاجات البيولوجية والنفسية والاجتماعية والروحية لكل أفراد
المجتمع بشكل عادل ، واحترام حقوق الفرد وإعطائه الفرصة لتحقيق ذاته في الإطار
المجتمعي ، مع إعطاء فرصة للانتماءات الفردية وتواصلها وتكاملها مع الانتماء العام للمجتمع " . (46)
3- العدالة الاجتماعية:
العدالة في أبسط
معانيها إعطاء كل ذي حق حقه، دون تأثر بمشاعر الحب لصديق ، أو الكراهية لعدو، وقد
أمر الله المؤمنين أن يلتزموا بهذا المعنى للعدالة وأن يطبقوه ، قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُون}[المائدة:8].
تعتبر العدالة قاعدة اجتماعية أساسية لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض،
فالعدالة محور أساسي في الأخلاق وفي الحقوق وفي الفلسفة الاجتماعية ، وهي قاعدة تنطلق منها بحوث
إيجاد المقاييس والمعايير الأخلاقية والقانونية. (47) ، وبالرغم من أن
العدالة كقيمة تعتبر مفهوما مطلقا كمبدأ ، إلا أنها نسبية كتطبيق ، فالعدالة في
هذا الجانب ليست قيمة مطلقة من حيث الزمان والمكان وهى تخضع لمنطق النسبية ،
فالعدالة الاجتماعية لمواطن يعيش في دولة ما يمكن ألا تعبر عن أمل مواطن في دولة
أخرى ، فالاختلاف في ظروف وأنماط المعيشة بين المجتمعات يعنى بالضرورة اختلاف في
الدلالة ، فما يصلح لمجتمع قد لا يصلح لمجتمع آخر (48).
والعدالة الاجتماعية يمكن تعريفها بأنها نظام اقتصادي
واجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الطبقية الشاهقة , وتحقيق فرص متكافئة ؟و ظروف حياة
متقاربة بين المواطنين , و إقامة المجتمع على أسس المساواة و التضامن الاجتماعى ، من خلال إعطاء كل فرد ما
يستحقه ، وتوزيع المنافع المادية في المجتمع، وتوفير قدر متساوُ لإشباع الاحتياجات
الأساسية ، كما أنها تعني المساواة في الفرص؛ أي أن كل فرد لديه الفرصة في الصعود
الاجتماعي ، فالمساواة الاجتماعية هي وضع اجتماعي تختفي فيه الامتيازات التي تتمتع
بها مجموعات محددة ، وهو وضع يسود فيه تكافؤ الفرص ، حيث ينعم الجميع بأوضاع مادية
و ثقافية تلبي حاجاتهم ، يعتمد شكل المساواة الاجتماعية ومضمونها إلى حد كبير على
النظام الاجتماعي القائم. (49)
وانطلاقا من ذلك كانت العدالة
الاجتماعية جوهر النظام الذي سعت إليه ونادت به ثورة يناير، فمع بدء الموجة الأولى من
الثورة المصرية في يناير 2011 ارتفعت الأصوات المنادية بحق "العدالة
الاجتماعية" جنبا إلى جنب مع حق "الحرية" و "الكرامة الإنسانية"
, تلك الحقوق الراسخة الثابتة لكل البشر ، تلك الحقوق التي سلبها الطغاه , أو أوهموا
الشعب بأن تلك الحقوق الراسخة منحا يمنحون الشعب إياها وقتما يشاءون ، ويمنعونها
عنّه وقتما يحلو لهم.
ولذلك كانت العدالة الاجتماعية
المطلب الأهم والأكثر إلحاحا من مطالب الثورة المصرية , نظرا لسياسات نظام مبارك
وحاشيته الرأسمالية الاحتكارية التي اقتادت أكثر من «40٪» من أفراد الشعب إلى العيش في ظلام
الأمية، ومعاناة أكثر من سبعة ملايين شاب من البطالة ، وأصبح أكثر من 40% من الشعب
المصري يعيشون تحت خط الفقر، حيث لا يزيد دخل الفرد فيهم علي دولار واحد في
اليوم , في حين تتركز السلطة و الثروة
في أيدي حفنة قليلة من رجال الأعمال وكبار رجال الدولة ، لتلك الأسباب كلها ؛ كان تحقيق العدالة
الاجتماعية المطلب الأهم للجماهير خلال ثورة يناير. (50)
وإذا كانت ثورة (25يناير 2011) قامت
ورفعت مجموعة من الشعارات والتي أصبحت بعد ذلك شعارات عالمية والكل يهتف بها ، وهذه الشعارات هي (حرية–
ديمقراطية – عدالة اجتماعية – كرامة إنسانية) ، وإن كان الشباب المصري قد نزل
لميدان التحرير يوم (الثلاثاء) (25يناير 2011) يطالب بالحرية والعدالة الاجتماعية ، فقد أشارت
بعض الدراسات أن (25%) من مجموع الشباب الذي نزل لميدان التحرير وكان له مطالب
سياسية ، وأن (75%) من الشباب
الذي نزل لميدان التحرير كانت مطالبه (اقتصادية) وأول هذه المطالب هو (العدالة الاجتماعية) لأنه خلال الثلاثة عقود
السابقة من حكم النظام السابق قد غابت (العدالة الاجتماعية) وغابت معها (الحرية والديمقراطية) والشعب
شأنه شأن أي شعوب أخرى قد يتحمل عدم الحرية لفترة من الفترات ولكنه لا يتحمل مطلقًا غياب (العدالة الاجتماعية) (51).
وإذا كانت
الديمقراطية والعدالة الاجتماعية هما الهدفان الرئيسيان لثورة الخامس والعشرين من
يناير ، وإذا كنا نستطيع أن نؤكد أن الديمقراطية وسيلة وليست غاية ،
باعتبارها تشير إلى الطريق السليم الذي
يمكن تحت مظلته أن يعبر الشعب - غالبية الشعب - عن آرائه فيما يتخذ باسمه من
قرارات لها انعكاساتها الأكيدة على حياته وأيضا على تاريخه.. أي على حاضره
ومستقبله ، فإننا نؤكد في الوقت ذاته أن العدالة
الاجتماعية هي الغاية ــ بل الغاية القصوى ــ من الثورة لأنها تعنى التغيير
الأساسي في أنماط حياة الشعب ومستوى معيشته ، هي هدف الثورة الأهم والأعظم الذي
يضمن إزالة أسباب الثورة وإقامة واقع ثوري تستند إليه جماهير الشعب في أدائها
لأعمالها على النحو الذي يضمن الاستقرار، ومن بين شروط الاستقرار تحقق المساواة في
أكثر أشكالها عدالة ، وبدون هذا الاستقرار الذي تكفله عدالة اجتماعية يبقى الوطن
في حالة الغليان التي تسبق الثورة وتجعلها حتمية مع مرور الوقت. (52)
والواقع أنه يمكن للمؤسسات التعليمية أن
تقوم بغرس هذه القيمة لدى طلابها من خلال تضمين المقررات بعض الموضوعات التي تتعلق
بأهمية هذه القيمة ودورها في حياة الفرد والمجتمع ، كما يمكن تنميتها كذلك من خلال
توفير بيئة تعليمية تؤمن بالمساواة والعدل وتحرص على الالتزام به في تعاملاتها مع
الطلاب والمعلمين ، وفى كافة أنشطتها وممارستها ، وأما بالنسبة للمعلم فينبغي أن يكون
قدوة لطلابه وأن يقدم لهم نموذجاً عمليا من خلال حرصه على أن يكون عادلا في تدريسه
وتقويمه لهم بل وفى توزيع اهتمامه ورعايته لهم.
4- الكرامة الإنسانية:
تعد الكرامة
الإنسانية من أهم الأسس التي تقوم عليها حقوق
الإنسان ، ومنبع القوانين
العادلة في دولة
القانون ، المبدأ الرئيسي الذي تُفهم من خلاله مفاهيم الحرية والعدالة والمساواة
، فالكرامة حق
طبيعي وقيمة
مجردة تولد مع تشكل الإنسان وتبقى معه حتى موته ، فكرامة الإنسان هي قيمته ، كونه
إنساناً بغض النظر عن أصله وجنسه وعمره وحالته ، بمعنى ألا يقبل أن يهان أو يعتدى
على حقه أو يساق أو يقهر بلا تفكير، ولكن في نفس الوقت يجب ألا يتصادم ولا ينسى
حدود الأدب واللياقة ، خاصة مع الكبار حتى وإن اختلف معهم بل يستعيد حقه ويجبر الناس على
احترامه.
الكرامة إذا مفهوم لا علاقة له بما يقدمه الإنسان أو بحالة
الإنسان , وهنا تنفصل الكرامة الإنسانية عن الفكرة القائمة على أن الكرامة
الإنسانية هي التمييز بين الإنسان والكائنات الأخرى ، إذ لا علاقة لهذه بتلك ،
وتنفصل أيضا عن الاعتقاد بارتباط الكرامة بالأعمال ونوعها , فالكرامة لا تُمنح ولا تصير من خلال الأعمال أو
الحالة ، فكرامة الإنسان هي قيمة الإنسان، كونه إنساناً بغض النظر عن أصله وجنسه
وعمره وحالته. (53).
وعلى الرغم من ذلك فإننا كثيرا ما نقرأ آراء
وأفكاراً ونظريات تتحدث عن الكرامة الإنسانية، فقد أصبح هذا المصطلح غريبا بعد أن
كثرت الانتهاكات لكرامة الإنسان ، وحظيت الحيوانات في بعض البلدان بعناية أكثر مما
يحظى به الإنسان في بلدان أخرى، وهذه الممارسات تدل على مدى المهانة التي وصل
إليها الإنسان ومدى الظلم الذي يتعرض له على يد أخيه الإنسان، رغم أن كل الأديان
حفظت له كرامته وصانت نفسه وعرضه وماله من أي انتهاكات قد يتعرض لها على أيدي من
تحالفوا مع الشيطان، وكانوا عونا له في نشر الظلم والفساد بين الشعوب المغلوبة على
أمرها بعد أن خضعت للسيطرة الأجنبية الغاشمة التي استغلت ثرواتها أبشع استغلال ،
ومرغت كرامة أبنائها في الوحل، من أجل ذلك تعقد المؤتمرات، وتنظم الندوات والحلقات
الدراسية ، وتقام الاحتفاليات الموسمية في أيام عالمية تنادى بحفظ حقوق الإنسان
وصيانة كرامته، وما ذلك كله سوى اعتراف واضح بأن كرامة الإنسان
مازالت تعاني من الانتهاكات في أكثر من جزء من هذا العالم المهدد
بسوء العاقبة نتيجة التدهور الأخلاقي
والانحراف السلوكي ، ما لم تنقذه القيم النبيلة والأخلاق الفاضلة، وما لم تتحدد
وتتحقق أهداف تلك المؤتمرات والندوات وغيرها من مظاهر الدعوة لصيانة كرامة الإنسان
(54).
والواقع أن الشعب المصري قد عانى قبل
الثورة ، كثيرا من صور عديدة من انتهاك كرامته تزييف إرادته ونهب ثرواته ، كان أبرزها تطبيق «الطوارئ» طوال فترة حكم مبارك ، الذي
كان سبباً في وفاة نحو 33
حالة سنوياً تحت وطأة
التعذيب، فضلاً عن وجود نحو ١٨ ألف معتقل في السجون و٣٥ ألف مصري
تضرروا منها وانتهاك كرامة الملايين من المصريين في أقسام الشرطة وأماكن
الاحتجاز.
ففي عهد «مبارك»، انتُهكت حقوق الإنسان
المصري وكرامته انتهاكاً صارخاً إلى حد "الجرائم ضد
الإنسانية" ، وخصوصاً منذ أن تم تعيين «حبيب العادلي» عام 1997م وزيراً للداخلية، فقد حكمت
وزارته الشعب المصري بالحديد والنار، فقد أدخل السجون ما لا يقل عن 140 ألف معتقل سياسي، قُتل منهم أكثر من
6000 مواطن، وما ثبت فيها ممن تعرضوا للتعذيب لا يقل عن 11250 مواطناً،
أصيب منهم 4220 بعاهات مستديمة في شكل حالة من الإرهاب والخوف والفزع والسلبية
أصابت الشخصية المصرية العظيمة ، إضافة إلى الانتهاكات التي تمثلت فيما عاناه
المواطن المصري من الجوع والفقر والجهل والتشرد والبطالة وما استتبعه من الحرمان
من العيش الكريم ، ومن ما يمكنه أو يحتاجه ليعيش حياة إنسانية حقيقية وكريمة (55) .
أما بعد الثورة فقد تغير الحال فالثورة
بدأت شراراتها في يوم احتفال الشرطة بعيدها ، والتي كانت أداة النظام البائد أداة قهر
الشعب المصري وإهدار كرامته من ما كانت تقوم به مباحث أمن الدولة، وكان مطلب
الكرامة الإنسانية من أبرز شعارات الثورة .
كما أن هناك إجماعاً
من الباحثين على أن ثورة 25 يناير لم تكن ثورة
قام بها "الجياع" من فقراء المصريين الذين يعيشون أساساً
في العشوائيات التي تحيط بالقاهرة الكبرى، والذين ضاعت حياتهم سدى نظراً
لسياسات الإثراء للقلة، والإفقار للغالبية التي طبقها النظام السابق بقيادة
الرئيس المخلوع. ولكنها في المقام الأول ثورة قامت من أجل السعي لتحقيق
قيم غير مادية، تتمثل في الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية والكرامة
الإنسانية(56).
ولا ننسى في هذا
المقام أن هذه الوسائل المستحدثة في
الاتصال- مثل الرسائل الإلكترونية والمدونات والفيسبوك والتويتر- التي مثلت البنية
التحتية التي قامت على أساسها أحداث 25
يناير، والتي استطاع قادتها حشد مئات الألوف من الأنصار من خلال
موقع " كلنا خالد سعيد" وغيره ، كان الشعار الأساسي هو الحرية السياسية
وتحقيق الكرامة الإنسانية(57).
والواقع أن
المؤسسة التعليمية يمكن أن تقوم بدوره في غرس وتنمية تلك القيمة من خلال
معلم واعٍ يصبو إلى الكرامة الإنسانية ويؤمن بها ، وأن تكون راسخة بداخله متأصلة فى
وجدانه، حتى يستطيع أن يغرسها لدى طلابه ، يرفض استخدام أساليب القمع والعقاب
البدني التي كانت سائدة في نظمنا التعليمية قبل الثورة وتمثل إهدارا لكرامة طلابه (58)، كما يمكن تنمية هذه القيمة من توفير
مناخ مدرسي ، وإدارة ومناهج وأنشطة ، تعلى من هذه القيمة ، ويحفظ للمعلمين والطلاب
كرامتهم واعتزازهم بأنفسهم.
5- التضحية :
كلمة التضحية في اللغة مصدر للفعل ضحى
، وضحى بالشاة أو نحوها مما يحل أكله أي
ذبحها في الضحى يوم عيد الأضحى ، وهذا المعنى قريب من معنى التضحية بالنفس والمال والجهد
والوقت في سبيل الله تعالى ولإعلاء كلمة الحق ، فهي التنازل عن شي
غال من أجل هدف أو شئ أو إنسان اغلي .
وقد حث الإسلام على التضحية في جميع صورها ؛ بالنفس
والمال والوقت ؛ لما في ذلك من نصرة للدين وتكافل بين المسلمين وتراحم، وصيانة للأموال والأعراض،
فحماية الدين والوطن تحتاج إلى التضحية والفداء بالمال والنفس، والتضحية
وسيلة الجهاد وطريق العزة والنصر، فالأمة التي لا
تضحي لا يمكنها أن تجاهد، والأمة التي لا تجاهد أعداءها تعيش ضعيفة ذليلة، فلا يمكن لفكرة
أن تسود أو مبدأ أن ينتشر أو قيمة أن تعلو أو منهج أن يطبق أو نظام أن يستقر إلا
برجال يؤمنون به ويدعون إليه بالحسنى ويضحون من أجله بكل ما يملكون من نفس أو مال
أو جهد أو وقت مهما كلفهم ذلك (59).
والواقع أن التضحية ليست كلمات ترددها
الشفاه أو شعارات تحملها اللافتات و ليست حروفاً تسطرها الكلمات ، بل التضحية سلوك وممارسة تتمثل في جوانب عديدة من أهمها
التضحية في سبيل رفعة وتقدم الوطن وازدهاره ، وليست الوطنية شعاراً يرفع أو مقالات
تنشر أو خطباً تلقى وإنما الوطنية الحق هي مدى الاستعداد للتضحية في سبيل المصالح العليا للوطن والدفاع
عن أمنه وحريته
وسيادته .
إن تلك القيمة التي لا ينكر أحدٌٌ أهميتها
في نجاح أى عمل ، تجلت بوضوح خلال أحداث الثورة فقد قدم شباب الثورة القدوة
والنموذج العملي الذي تجسدت من خلاله تلك القيمة ، فقد ضحى هؤلاء الشباب في سبيل
ثورتهم هذه بكل غال ونفيس ،
ضحوا بأموالهم وراحة بالهم ، تركوا منازلهم ليعيشوا أياما بلا طعام أو نوم ،
يتقاسمون معا حبات من التمر يقتاتون بها ليواصلوا مشوارهم النبيل ، بل
وصلت تضحيتهم إلى حد التضحية بالحياة كلها ليعيش هذا الوطن حياة كريمة ، فخلال الثورة ، دفع الشعب المصري من دماء شهدائه الكثير من أجل أن يسترد حريته وكرامته وتحقيق مجتمع العدالة وقدم نموذجًا للإخلاص للوطن والانتماء له والتضحية من أجل حريته وكرامته واستقلاله (60).
ضحوا بأموالهم وراحة بالهم ، تركوا منازلهم ليعيشوا أياما بلا طعام أو نوم ،
يتقاسمون معا حبات من التمر يقتاتون بها ليواصلوا مشوارهم النبيل ، بل
وصلت تضحيتهم إلى حد التضحية بالحياة كلها ليعيش هذا الوطن حياة كريمة ، فخلال الثورة ، دفع الشعب المصري من دماء شهدائه الكثير من أجل أن يسترد حريته وكرامته وتحقيق مجتمع العدالة وقدم نموذجًا للإخلاص للوطن والانتماء له والتضحية من أجل حريته وكرامته واستقلاله (60).
كما يمكن أن تتضح تلك التضحية بالرجوع
إلى ما قبل ثورة 25 يناير فإن كل من عارض النظام المستبد السابق وكانت معارضته سببا في
اعتقاله أو سجنه أو تعذيبه أو فقدان وظيفته أو خسارته المالية ، وكل من خرج في
ميدان التحرير في ثورة25 يناير وعرض نفسه للقتل أو الإصابة والاعتقال كل
هؤلاء ثبت بدليل لا يقبل الشك أنهم وطنيون أياً كان مذهبهم أو فكرهم.
والواقع أنه يمكن للمؤسسات التعليمية أن
تقوم بتنمية تلك القيمة لدى الطلاب من خلال تقديم بعض النماذج التى قدمت التضحيات
فى سبيل تحقيق هدف أو نشر رسالة ، ولعل فى سيرة رسولنا الكريم والصحابة رضي الله
عنهم صور كثيرة من تلك التضحيات ، وكذلك الحال ما قدمه شهداء الثورة ومصابوها فى
سبيل نجاح ثورتهم وإسقاط النظام البائد ، ويمكن فى هذا المجال دعوة أحد مصابى
الثورة ليقدم لهم نموذجاً عمليا لهذه التضحية ، إضافة الى توضيح ما يقدمه الوالدان
من تضحيات فى سبيل توفير كل ما يسعدهم ويهىء لهم مقومات الحياة الكريمة .
6- المشاركة السياسية:
تعد المشاركة في
الحياة السياسية المتمثلة في إسهام أو انشغال المواطن
بالمسائل السياسية
داخل نطاق مجتمعه سواء أكان هذا الانشغال عن طريق التأييد أو الرفض أو المقاومة أو التظاهر وما إلى ذلك ، من أهم القيم التي
ينبغي أن تسود بين إفراد المجتمع باعتبارها من الحقوق الأساسية لكل مواطن ، ومبدأ
ديمقراطي من أهم مبادئ الدولة الوطنية
الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنظمة الوطنية
الديمقراطية التي تقوم
على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية،الشمولية
أو التسلطية التي تقوم على الاحتكار . (61).
وتعرف المشاركة السياسية
بأنها ذلك النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد
التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فرديًا أم
جماعيًا،منظمًا أم عفويًا
، متواصلا أو متقطعًا،سلميًا أم عنيفًا ، شرعيًا أم غير شرعي ، فعالاً أم غير فعال
(62).
وهي كذلك تتمثل في " حرص الفرد على أن يكون له دور إيجابي في
الحياة السياسية من خلال المزاولة الإرادية لحق التصويت أو الترشيح للهيئات
المنتخبة أو مناقشة القضايا السياسية مع الآخرين أو بالانضمام إلى المنظمات الوسيطة (63).
كما تعرف بأنها " العملية التي يلعب من خلالها الفرد
دوراً مهماً في الحياة السياسية لمجتمعه وتكون لديه الفرصة لأن يسهم في وضع الأهداف العامة لذلك المجتمع وتحديد
أفضل الوسائل لانجازها وقد تتم هذه المشاركة من خلال أنشطة سياسية مباشرة أو
غير مباشرة "(64).
فهي عملية دينامكية يشارك فيها الفرد من
خلالها فى الحياة السياسية لمجتمعه بشكل إرادي وواع من أجل التأثير في المسار
السياسي العام بما يحقق المصلحة العامة التي تتفق مع آرائه وانتمائه الطبقي
وتتم هذه المشاركة
من خلال مجموعة من الأنشطة أهمها الاشتراك في الأحزاب والترشيح للمؤسسات التشريعية
والاهتمام بالحياة السياسية والتصويت "
(65) ،
"فمستويات المشاركة السياسية تتدرج
بدءا من مزاولة حق التصويت، مرورا بالمشاركة والمناقشات السياسية وتقديم الشكاوى والاقتراحات،
واكتساب عضوية التنظيمات الحزبية والجماهيرية والترشيح للمناصب العامة وانتهاء بالوجود الفعلي في بنية
السلطة" (66).
وقد مرت الحياة
السياسية في مصر بفترات طويلة من الفتور والتدهور ، لازمها حالة من العزوف عن
المشاركة ، فقد تعود الناس في مصر لعقود طويلة أنهم مهمشون, وأن السياسة يختص بها
قلة من الناس في قمة السلطة وعلى رؤوس الأحزاب, وأن السياسة هي نشاط نخبوي
بالضرورة, وأن ممارستها دائما محفوفة بالمخاطر, وأن الانتخابات شكلية ويتم تزويرها
, وأن إرادة الشعب لا وجود لها ولا تأثير، كما
كانت حالة العزوف هذه بسبب اقتناع الغالبية العظمى منهم بأن أصواتهم تذهب هباء ، وخوفا على أنفسهم من عمليات البلطجة ،
وظاهرة شراء الأصوات التي أدت إلى التلاعب في نتائج الانتخابات ، ولذلك كان العزوف عن الانخراط في الحياة
السياسية ومقاطعة الانتخابات بمختلف مستوياتها ، من أهم سمات المصريين قبل ثورة 25
يناير(67).
وعلى النقيض كان
الموقف بعد قيام الثورة والتي كان لها أثراٌ واضحٌ على الحياة السياسية ، وشجعت
الكثيرين على المشاركة السياسية وإبداء الرأي والتي تمثلت في أبرز محدداتها
المتمثلة في الاهتمام والوعي بالأمور السياسية من أخبار وندوات سياسية ، والمشاركة
في الانتخابات والاستفتاءات والحملات
الدعائية للمرشحين ، إضافة إلى المشاركة في التنظيمات السياسية المختلفة من
أحزاب ونقابات وجمعيات أهلية ، و
ظهور العديد من الأحزاب والائتلافات الشبابية بعد الثورة .
لقد تغير الوضع بعد
الثورة بصورة واضحة حيث كان نمو الوعي السياسي والمشاركة السياسية هو أبرز ما ظهر
من تغيّر في شخصية المواطن المصري كنتيجة لثورة 25 يناير ، حيث أعاد الشعب اكتشاف
نفسه من جديد وأنه فوق الحاكم، وليس خاضعًا له، لذلك فأي
مسئول غير معفي من المحاسبة على أدائه تجاه
الشعب ، كما تآكلت ثقافة الخضوع والسلبية وأصبح الشعب إيجابيًّا ،
مستعدًا للبناء على أسس سليمة بدون أي فساد ، وأصبح
يؤمن بان صندوق الانتخابات هو الوسيلة المقبولة للتغيير, وجعل الناس
يعرفون كيف يقولون نعم أو لا في الانتخابات والاستفتاءات المختلفة ، وأن لا يقعوا
تحت تأثير محاولات الاستهواء والاستلاب, وأن يتكون لديهم عقل نقدي يزن الأشخاص
والبرامج الانتخابية, ويعرفوا معاني الحرية والعدل والمساواة والمواطنة
والديمقراطية(68).
إن الاستفتاء على التعديلات الدستورية
وانتخابات مجلس الشعب في 18 نوفمبر 2011- بعد التنحي مباشرة- أثبتت زيف الادعاء بأن المصريين لا يقبلون على
المشاركة السياسية ، الذي تجلى من خلال ملايين الناخبين الذين
خرجوا ليشكلوا الطوابير التي وصلت إلى كيلومترات أمام اللجان الانتخابية ،
وحرص الشباب وكبار السن والمرضى على المشاركة فيها ، وكانت هذه أول مرة تشهد
الحياة السياسية المصرية وقوف المواطنين في طوابير لمدة طويلة من اجل الإدلاء
بأصواتهم ، كما شهدت انتخابات مجلس الشعب إقبالا بلغت نسبته 62,8% في المرحلة
الأولى ونسبة 66,5% فى المرحلة الثانية (69) ، وهو ما يعد تعبيراً واضحاً عن مدى إدراك
المصريين لقيمة
المشاركة السياسية وأهميتها.
وقد أعادت ثورة الخامس والعشرين من يناير الاعتبار إلى الديمقراطية،
وجعلت الشعب هو المصدر الحقيقي للسلطات، وأولى خطوات تحقيق الحرية وتفعيل
الديمقراطية التي نادت بهما الثورة المصرية هي الانتخابات البرلمانية، فهي
الوسيلة الوحيدة لتسليم السلطة إلى حكومة منبثقة عن برلمان منتخب يعبر عن إرادة
الشعب المصري
، ورئيس مدني منتخب بإرادة الشعب (70).
أما فيما يتعلق بدور المؤسسات التعليمية
فى تنمية تلك القيمة ، فإن زيادة معدلات المشاركة السياسية واكتساب الطلاب لها ، يرتبط
ارتباطا مباشرا بعمليات التنشئة السياسية والتى يعد النظام التعليمى بمؤسساته المختلفة
من أهم أدواتها ووسائطها ، وتعود أهمية دور المؤسسة التعليمية فى هذا المجال ، الى
أنها تمثل الخبرة الأولى المباشرة للطفل خارج الأسرة ، فهى تتولى غرس القيم
والاتجاهات السياسية التى يبتغيها المجتمع ونظامه السياسى- والتى من أبرزها المشاركة السياسية - وبصورة
متعمدة وليس بصورة تلقائية كما هو الحال فى الأسرة(71)
،
إلا أن ذلك لا ينفى ضرورة أن يحدث نوع من التوافق بين ما تقوم به المؤسسات
التعليمية فى هذا المجال ، وما تقوم به
المؤسسات الأخرى التى تلعب أدواراً مماثلة كالمؤسسات الإعلامية والمؤسسات الدينية
..وغيرها .
عليه فإننا نرى انه يمكن تنمية قيمة
المشاركة السياسية لدى الطلاب من خلال زيادة دورهم فى العمل التعليمى ، والسماح
لهم بلعب دور ايجابي فى المؤسسة التى يتلقون فيها العلم ، من خلال مشاركتهم فى
الإدارة ،واختيار ممثليهم ، وإبداء آرائهم فيما يتلقونه من معارف وطرق تعليمهم
وتقويمهم ، وفى أنشطتهم اللاصفية تلك التى ترتبط بالبيئة الاجتماعية المحيطة
بالمؤسسة، الأمر الذى يزيد من الترابط بينهم ويغرس فيهم قيم المشاركة والاختيار.
كما يمكن تنمية تلك القيم من خلال
المقررات الدراسية والتى يمكن أن تلعب دورا مهما فى هذا المجال ، ولعل ذلك هو ما
يفسر حرص كافة النظم التعليمية والسياسية على تخصيص مقررات بعينها لغرس ما تراه من
قيم فى نفوس التلاميذ وهى مقررات الدراسات الاجتماعية والتربية الوطنية(72).
كذلك يلعب المناخ التعليمى والخبرة
التعليمية والمعايشة اليومية للطلاب داخل المؤسسات التعليمية دورا مهما فى صقل
شخصية الطالب وإكسابه العديد من القيم والتى تؤثر فى اتجاهاته السياسية وما يتبعها
من حرص على المشاركة السياسية طبقا لنوع الخبرة التى يتعرض لها ، ونمط علاقاته بأقرانه
وأساتذته(73).
أما الشق الأخير فى ذلك فيقع على عاتق المعلمين
لأنهم سواء بما لديهم من خصائص شخصية أو ما يحملونه من قيم سوف يتولون نقل المعارف
الموجودة فى المقررات الى التلاميذ وما تتضمنه من قيم ، ولذلك فإن
الأمر يتطلب ضرورة إيمان المعلم بتلك القيم وتبنيها حتى يستطيع أن ينميها لدى
طلابه ، فشخصية المعلم والقيم التى يؤمن بها تؤثر تأثيراً كبيراً على الطلاب (74).
7 - التعاون:
تعد قيمة
التعاون من أهم القيم التي ينبغي أن تسود بين أفراد أى مجتمع ، فأساس نجاح اى عمل
التعاون ، به نستطيع أن ننجز الأعمال ، ونحقق الأهداف والغايات ، وتترابط العلاقات
بين الناس
، والتعاون يعد من ضروريات الحياة، إذ لا يمكن للفرد أن يقوم بكل أعباء هذه الحياة منفردًا
، فالأصل هو أن الإنسان كائن اجتماعي ينفتح ويتواصل ويتعاون مع المحيطين به ، والخلل هو
أن يعيش الإنسان في عزله فردية لا يقبل ولا يستطيع التعاون مع الآخرين ،.فهو يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه ونيل مطالبه التي لا
تتم إلا بالتعاون مع غيره
،.فليس من السهل أن يُحَقِّقَ كل فردٍ رَغباتِه
ومطامعَه وأمانيه
، من غَيرِ أن تقفَ بعضُ العقباتِ والصِّعاب في طريقه. ولهذا لا بدَّ من أن
يتعاونَ الإِنسانُ مع غـيره
فَيَلتقِيَ
تفكيرُه مع تفكيرِ غَيره، وتَلتقيَ قوَّتُه مع قوةِ غيره ، فإِذا بهذه العَقباتِ
والصعاب أَمامَ قوةٍ أَكبرَ، وفِكرٍ أَقوى، وعقلٍ أرجحَ، فلابد لهذه العقبات أَن
تتبدَّدَ، ولابد لهذه الصعاب أَن تزولَ وتخْتفي، وعندئذ تَتحققُ رغباته ومطامحهُ
وآمالهُ(75).
والتعاون سلوك إنساني شُوهد في مختلف العصور
البشرية، لجأ إليه الإنسان في عمله و تصرفاته الخاصة والعامة. وقد كان في
الماضي والحاضر وسيظل ضرورة إنسانية إلى ماشاء الله(76).
التعاون لغة من العون وعاون فلان على الأمر، أي ساعده ، العون ، المساعدة
، العون:
الظَّهير على الأمر ، تعاونوا : أعان بعضهم بعضا .
أما اصطلاحا فهو ارتباط مجموعة من
الأفراد على أساس من الحقوق والالتزامات المتساوية لمواجهة ما قد يعترضهم من المشاكل الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو القانونية ذات الارتباط الوثيق
المباشر بمعيشتهم (77)، أوعمل إنساني يتشارك فيه مجموعة من الناس من
أجل تحقيق أهداف معينة ويجمعهم رابط مشترك ، كما يعرف على انه الميل
الوجداني والعقلي والنفسي للفرد للتفاعل والتبادل والتنسيق والتعاون مع زملائه ، والعيـش
معهم بروح الفريق في أعماله وأنشطتـه اليـومية(78)
,
ويختلف
التعاون من حيث النطاق فقد يكون مقصوراً على أفراد جماعة أو مصنع أو بيئة محلية
وقد يتسع نطاقه فيشمل إقليماً أو عدة دول , هذا وتقاس قوة الجماعة وسلامة بنيانها
ودقة نظمها بمقدار تعاون أفرادها وتضامنهم على تحقيق المصالح العامة والخير المشترك
, وقد يكون التعاون بين جماعتين أو أكثر كتعاون الأسرة والمدرسة والنادي في عملية
التربية.
للتعاون أهمية كبيرة في حياتنا فهو يمنح
الفرد فرصة لتعزيز معارفه ومواهبه وقدراته واكتساب المزيد والمتنوع من خبرات
الآخرين ، كما تمنحه الفرد الإحساس بالانتماء والقوة والعزة بالفريق
والمجتمع الذي ينتمي إليه، وتمكن الفرد من تحقيق المزيد والكبير من الأعمال
والانجازات التي ما كان يستطيع أن يحققها وحدة ، كما يمنحه الشعور بالاطمئنان وبالسعادة لإشباعها الكثير من
الحاجات العاطفية والنفسية والاجتماعية في نفسه ، إضافة إلى حمايته في كثير من الأحيان
من الزلل والانحراف(79) .
والواقع أنه على الرغم من أهمية هذه
القيمة وضرورتها للفرد والمجتمع فان بعض
أو معظم الناس لا يتعاونون ، حيث استطاع النظام السابق قبل الثورة بممارساته
المختلفة أن يجعل الفردية والتفرقة بين أفراد المجتمع والأنانية وحب الذات هي
السمة الأساسية التي كانت سائدة بين أفراد الشعب ، بل وامتد ذلك إلى مؤسساتنا
التعليمية .
فعلى الرغم من أن التعاون
يمثل في/بين المؤسسات التعليمية عنصراُُ أساسياً
من العناصر التي تدعم عملية تطوير البيئة التعليمية في كل من مدارس و
جامعات المستقبل .إلا أن العديد من مدارس و جامعات اليوم تفتقر إلى
الالتزام بمبدأ التعاون سواءً كان ذلك من المؤسسات و/أو الأفراد ، الأمر الذي يؤدي
إلى إضعاف الموارد و تحويل الانتباه بعيداً عن تحقيق أهداف التميز في كل
من عملية التعليم و التعلُّم ، إن الحقيقة هي أن مفهوم التعاون كهدف جماعي
أو تنظيمي لم يحصل بعد على الأولوية التي يجب أن يكون عليها كما أنه لم يصل بعد إلى تلك الدرجة من الأهمية
بين المؤسسات المتفرقة والتي لها أهداف مشتركة، خاصة المتعلقة بتربية النشء كالأسرة والمدرسة ودور العبادة وغيرها(80).
وعلى الرغم من كل ذلك فقد
برزت هذه القيمة وتأكدت خلال أحداث الثورة ، فقد أظهرت الثورة مدى تضامن جميع فئات
الشعب وحبهم لبعضهم ، فحموا بعضهم البعض وتقاسموا اللقيمات في ظل ظروف
عصيبة ، وقد ظهر التعاون بصوره واضحة
وجلية من خلال شعارات مثل " إيد واحدة
" ، "الجيش والشعب إيد واحدة" ، كما برزت هذه القيمة واتضحت
في تجهيز المستشفيات الميدانية التي تم إنشاؤها لعلاج المصابين خلال الأحداث ،
والتعاون في كتابة شعارات الثورة ، وإقامة المنصات وصد الهجمات على الثور في
التحرير ، والاعتصامات التى استمرت 18 يوما ، إضافة إلى اللجان الشعبية
التي تم تشكيلها لتقوم بدورها في حماية الشعب والمنشات بل والقبض على الفارين من
السجون ، بعد انهيار جهاز الشرطة ...وغيرها الكثير، ولا يمكن لذلك أن
يتم دون قدر كبير من التعاون والعمل الجماعي.
والواقع أن تنمية هذه القيمة لدى طلابنا
يمكن أن يتم من خلال تضافر وتعاون كل جوانب المنظومة التعليمية فى هذا المجال ،
وذلك من تضمين المقررات الدراسات موضوعات تتعلق بتلك القيمة والتأكيد على دورها فى
تقدم المجتمع وتحقيق أهدافه، مع توفير أنشطة تعليمية تمكن الطلاب من توظيف التعاون فيما بينهم
ومساعدتهم في إعطاء التغذية الراجعة لبعضهم البعض ، إضافة الى نشاطات
تربوية للكشف عن جوانب قيمة التعاون لدى الطلبة والقيم المغايرة لها كالتنافس
والعمل الفردي ، ومن خلال من يقدمه المعلمون وإدارة المدرسة من
صور للتعاون فيما بينهم فى سلوكهم وتصرفاتهم داخل المدرسة وخارجها ، بل وبين إدارة
المدرسة وأولياء الأمور وأفراد البيئة المحيطة بالمدرسة في أمور ذات أهمية
للمدرسة والمجتمع ، من خلال بعض التنظيمات والتى من أهمها مجلس الأمناء
والمعلمين.
8- التسامح الديني والوحدة الوطنية:
يعد التسامح من أهم القيم الأخلاقية
التي لاغني عن وجودها في أى مجتمع ، باعتباره قيمة إنسانية كبرى ومظهراً من مظاهر تقدم
المجتمعـات ، كما أنه يمثل حقا إنسانيا وضمانة أساسية لإشاعة المناخ والأجواء
الضرورية لتحقيق الأمن والسلام والتوافق والوئام في سياق الاختلاف.
التسامح مفهوم يحمل في طياته مضامين إيجابية تقوم على أساس القبول بالآخر
المختلف دينيا وسياسيا ، واحترام رأى الآخرين ومعتقداتهم ، الاعتراف بحريتهم
وكرامتهم ، بغض النظر عن انتماءاهم العرقية والثقافية والدينية والإيديولوجية ،
وهو في مضمونه الديني يحمل دلالتين : الأولى : تقبل المغايرة في فهم الديانة
الواحدة بما يعزز طوائفها ومذاهبها ، والثانية : تقبل الديانات المختلفة واحترامها
من منظور الدين الواحد الذى يقرها جميعا ، ما دامت ديانات سماوية ( 81).
والواقع أن من
أعظم القيم والجوانب المرتبطة بالثورة المصرية- ثورة 25 يناير- ، تلك المتعلقة ، بالوحدة
الوطنية لكل أبناء الشعب المصري ، الوحدة الوطنية للشعب المصري بكل طوائفه وبكل
انتماءاته وبكل قواه الاجتماعية والسياسية، تجلت في الثورة بأروع ما تكون الصور.
فقد ظل البعض لسنوات
يردد على مسامعنا أن المصريين ميالون إلى
العنف خاصة الطائفي، ويوردون أمثلة لوقائع حدثت تؤكد ما يطلقونه، كما كان يغذى ذلك
إسدال ستار من الغموض على الكثير من التفاصيل
، إلا أن ثورة 25 يناير جاءت لتنفى ما كان
يتردد؛ حيث لم تتعرض كنيسة أو معبد يهودي لاعتداء طوال فترة الغياب الأمني، منوّها
إلى أن المعبد اليهودي في شارع عدلي وسط القاهرة يقع في مسار المظاهرات، وهو واضح
وعليه نجمة داوود، إلا أنه لم يحدث أي اعتداء عليه رغم الغياب الأمني، في الوقت
الذي أحرقت
فيه مؤسسات رسمية(82).
كانت المطالب التي رفعتها الثورة مطالب
وطنية عامة ، اجمع عليها كل أبناء الشعب المصري ، و لم تكن بأي حال مطالب فئوية أو
طائفية أو أيديولوجية ضيقة ، وإنما كانت مطالب وطنية عامة توحد كل أبناء الوطن
ويلتفون حولها ، لقد كانت الثورة المصرية في جوهرها ثورة توحد وطني ، ثورة ضد
الطائفية بكل مظاهرها وصورها.
كانت المشاركة الشعبية في أحداث الثورة
تجسيدا تاريخيا للتلاحم الوطني والوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط ، وشهدنا
طوال أيام الثورة صورا رائعة تجسد هذا التلاحم وهذه الوحدة ، شهدنا مثلا رجال
الأزهر الشريف يسيرون جنبا إلى جنب مع رجال الدين الأقباط مشاركين في الثورة
يرددون نفس الشعارات ويرفعون نفس المطالب ، وشهدنا المسلمين يصلون في ميدان
التحرير، وفي نفس الوقت يقيم الأقباط صلواتهم في مشاهد تاريخية ستظل محفورة في وعي
ووجدان المصريين ، بل استضافت منصة الإخوان التي أقاموها بميدان التحرير ، ترانيم
قداس الإخوة المسيحيين ، قبل صلاة الجمعة بنصف ساعة ، ولم يقتصر
هذا التلاحم الوطني على المسلمين والأقباط فقط ، وإنما تجسد - طوال أيام الثورة - في
التلاحم بين كل شرائح وقوى المجتمع بكل انتماءاتها السياسية والأيديولوجية
والاجتماعية ، الإخوان المسلمون يسيرون في المظاهرات جنبا إلى جنب مع الشيوعيين
والليبراليين.. وغيرهم. (83).
والواقع أن العلاقة
بين المسلمين
والأقباط قبل وبعد الثورة كانت دائمًا يسودها روح التوحد
والانسجام والاتفاق، فالشعب المصري لا يعرف
إقصاء الآخر المختلف دينيًّا وعرقيًّا وهو شعب يؤثر ولا يتأثر، فمصر البلد الوحيد الذي لم
يستطع الاحتلال
أن يؤثر فيه، مؤكدة أن معظم حوادث الفتنة الطائفية التي شهدتها
فترة ما قبل وبعد قيام الثورة كانت بتدبير
من عناصر النظام المخلوع الذي كان يستفيد منها ، ويبني قوة سلطانه على التفرقة بين طوائف
المجتمع،
فبعد ثورة 25 يناير لم يَعُدْ هناك حاجة
للتحدث عن التسامح الديني والحرية الدينية، فمن يريد أن يعرف المعنى الحقيقي للتسامح عليه فقط أن يشاهد أحداث هذه
الثورة، فالمسلم والمسيحي وقفا أمام رصاصات الأمن المركزي فـي تحدٍّ وثبات
ينادون بالسلمية وبمطالبهم المشروعة، فثورة 25 يناير أثبتت أنه لا يوجد ما يدعى
بـ «عنصريّ الأمة» ولكن الأمة كلها عنصر واحد ونسيج واحد.(84) ، حيث استطاعت تلك الثورة
أن تكشف النقاب عن عاطفة أصيلة بين المسلمين والأقباط في كيان هذا الشعب، صورة رسمتها يد الثورة لتؤكد للعالم
، تلاحم المصريين،
تماماً كما تلاحموا من قبل في وجه المستعمر، الذي لم يفرق رصاصه
بين أجسادهم.
لقد قدمت الثورة طوال الفترة الثورية التي
امتدت من 25 يناير إلى حوالي 17 فبراير صوراً ونماذج من القيم، وضروباً من السلوك
لفتت أنظار العالم. وقد دهش المراقبون الأجانب حينما شاهدوا في ميدان التحرير مئات الألوف من المسلمين يؤدون
صلاة الجمعة،
وبعد ذلك مئات الأقباط يرتلون أناشيدهم الدينية. هذه النماذج السلوكية التي أظهرت الندّية الكاملة بين المسلمين والأقباط الذين
شاركوا معاً في إشعال فتيل الثورة، وفي المساواة الكاملة بين الرجال والنساء على اختلاف أنماطهن فقد كانت بينهن المحجبة
والمنقبة والسافرة
، وأهم من ذلك التمازج النادر بين كافة طبقات الشعب من أغنى الفئات إلى أفقرها لأنهم
عملوا في ميدان التحرير باعتبارهم كتلة ثورية واحدة دينية اجتماعية متماسكة(85).
والواقع المؤسسات التربوية يمكن أن تقوم
بدور اساسى فى تنمية قيمة التسامح والمواطنة، من خلال إجراءات عديدة من ببينها ، توفير مناخ
أو بيئة
تعليمية مناسبة
تشجع الطلبة
على اكتساب
هذه القيم ، كذلك
يتحدد هذا
الدور من
خلال المعلم وعضو هيئة التدريس الذي يجب أن
يكون قدوة
حسنة - يتطابق سلوكه
مع أقواله
وأفكاره في
المواقف التعليمية-
أمام
الطلبة وقيامه
بدور المربي
الذي تتجسد
في شخصيته
تلك القيم من خلال عدم تمييزه بين طلابه بسبب الجنس أو
معتقداتهم الدينية ، ويكٌون علاقات ودية بينه
وبين جميع
الطلبة، يحترمهم
ويسمع لهم ويسمح لهم
بالتعبير عن
رأيهم بحرية دون تمييز، مع
التعامل بقدر من
المرونة والتسامح
معهم.
كما يمكن أن
تلعب الأنشطة الطلابية دورا مهما هذا المجال من
خلال تجسيد
روح التعاون
والعمل التطوعي
والتسامح والعدل والمساواة والمشاركة.إضافة الى دور
المقررات والخطط
الدراسية في
تنمية قيم
التسامح
المواطنة ، وتدعيم
روح التضامن
بين الطلبة
، من خلال ما تتضمنه من
محتوى معرفي
ومواقف تسهم
إسهامًا كبيرًا
في هذا
الجانب.
9- الإصرار والمثابرة:
يعد الإصرار
والمثابرة من أهم وأعظم القيم اللازمة لأداء الأعمال وتحقيق الأهداف
فالإنسان ضعيف الإصرار والمثابرة سرعان ما يجزع عند
الفشل , ويسهل عليه أن يفرط في الأهداف إذا قابلته المعوقات, وتراه كل يوم بأهداف
شتى وهو يتنقل بينها ولا يحسن إنجاز أي منها , إنه شخص لا يعرف إتمام الأعمال أو
إنجاز المهمات , فهو لم يذق قط حلاوة النهاية لأنه لا يعرف إلا البداية , ثم سرعان
ما تخور قواه عند أول
عقبة ، وصدق الشاعر إذ
يقول:
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى *** فما
انقادت الآمال إلا لصابر
ومن يتهيب صعود الجبال .... يعش أبد الدهر بين الحفر
والإصرار
هو الاستمرار في السعي لتحقيق الأهداف رغم العوائق والمشكلات والإحباط
،
وهو إعادة المحاولة المرة تلو المرة وعدم اليأس من كثرة المحاولة
، فالمثابر شخصية تحتفظ بمجهود
وافر في مواجهة التحديات والمشكلات وألوان الفشل , إنه شخص لا يعرف غير تحقيق الهدف
, والوصول إلى النتيجة المرجوة , فهو يحاور ويناور
ويستغل كل
الطرق والإمكانات ويجرب كل السبل والمسالك للوصول
إلى الأهداف، ويدعم الإصرار
والمثابرة ، توافر العزيمة والتي تتمثل فى العزم على فعل شيء ما، ووجود النية
الحقيقية لفعله، فليس لأحدهما فائدة دون الآخر، فلن يستطيع الإنسان الإصرار على
فعل شيء لا عزم له على فعله، وما فائدة العزم على فعل شيء تيأس من محاولة
فعله وليس لديك الإصرار الكافي لتحقيقه، فهما عينان في رأس كما يقال. (86)
ولقد أثبتت الدراسات والإحصاءات النفسية
أن المثابرة صفة تختص بالإنسان متفردا ، فلقد ثبت أنه في معظم الأحيان لا تستطيع
الحيوانات الإصرار على هدف أكثر من 20 دقيقة ثم سرعان ما تنحرف عنه – فيما عدا بعض
النماذج النادرة – وحتى علاقة البنوة التي تميز الحيوانات فإنه على الرغم من
اهتمام الأب أو الأم بالوليد سواء في تغذيته أو حمايته فإن الأبوين لا يستطيعان
الصبر في سبيل ذلك فترات طويلة دون تهاون أو عمل شيء آخر .
وقد أكد عالم النفس الأمريكي Julian
Jaynes أن الإصرار من
الشروط الأساسية لقيام الحضارات , وأن معدل إشعاع هذه الحضارات يعتمد على توفر هذه
الصفة في بنية وتكوين المواطن ، فالحضارات لا تبنى إلا على أكتاف أناس لا يعشقون
شيئا كعشقهم لتحقيق الأهداف وتجاوز المستحيل ، والسير وسط الظلمات لإنجاز المهمات
, إن الحضارة تحتاج إلى شعب يمتلىء كل مواطن فيه إصرارا وتحديا ومثابرة ومواجهة
للعوائق والعقبات , شعب لا يعرف كلمة المستحيل (87).
لقد أكد الشعب المصري خلال ثورة 25
يناير أن لديه عزيمة ماضية وإصراراً عجيباً على تحقيق هدفه ، وهو الإطاحة بنظام حسنى مبارك ، فقد اندفع في
ثورته يحطم الظلم والفساد ويعيد بناء الكرامة والحرية ومازالت الثورة حتى الآن لم
تخبٌ جذوتها ، لقد ضرب الشعب المصري في هذه الثورة أروع المثل ، في أن تضع هدفا ثم لا تقبل بشيء إلا تحقيقه لا تتزعزع قيد أنملة
حتى تحقق مبتغاك , لا تحطمك الصعاب ولا المشكلات ولا البلطجية ولا البغال ولا تعاون قوى الشر , كل هذا لا يزيدك
إلا إصراراً على إصرار وعزيمة على عزيمة ،
فانطلقت مظاهرات واحتجاجات تواصل الليل والنهار وتكابد مشاق العراء والبرد
والاضطهاد والظلم والقتل لكي تبحث عن حرية شعب بأكمله وتكسر طوق العبودية
الذي طالما خنق أعناق المصريين .
والاضطهاد والظلم والقتل لكي تبحث عن حرية شعب بأكمله وتكسر طوق العبودية
الذي طالما خنق أعناق المصريين .
وتمثلت هذه القيمة بصورة أوضح من خلال
إصرار الثوار على تحقيق هدفهم الاساسى المتمثل في إسقاط النظام والذي تمثل فى
شعارات "الشعب يريد إسقاط النظام" "ارحل ، ارحل" ، هذا
الإصرار لم يتم التنازل عنه ، رغم ما قدمه النظام من تنازلات خلال أحداث الثورة
التي تمثلت في إقالة الحكومة ، وتعين نائب للرئيس، وتأكيده على أنه لن يعيد ترشيح
نفسه للرئاسة مرة أخرى ووعوده بإلغاء فكرة التوريث .
والواقع أن هذه تعد من أهم القيم التي ينبغي
أن تحرص مؤسساتنا التعليمية على غرسها لدى طلابها من خلال تدريب الطالب على تحديد
هدفه والإصرار على تحقيق وإلا ييأس مهما طال الوقت ، والتأكيد له أنه قادر ويستطيع
أن يكون الإنسان الذي يتمناه ، فيغير نفسه ومجتمعه إلى الأفضل ، من خلال تعزيز
ثقته بنفسه ، وأن نضمن المناهج نماذج وأمثلة لأفراد وشعوب أصرت على تحقيق أهدافها
ونجحت في ذلك.
11- -
الحوار:
يعد الحوار من أهم القيم أو المهارات
الاجتماعية اللازمة للفرد والمجتمع، وهو ضرورة
حياتية لبلوغ الأهداف المشتركة في بناء عالم يسوده الأمن والاستقرار
الحوار لغة: من الحوار ، وهو الرجوع. ويتحاورون: أي
يتراجعون الكلام. واصطلاحاً: مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين
مختلفين.
ويعرف الحوار على أنه نوع من الحديث بين شخصين أو فريقين ، يتم فيه تداول الكلام بينهما بطريقة متكافئة فلا يستأثر أحدهما دون الآخر ، ويغلب عليه الهدوء والبعد عن الخصومة والتعصب (88).، أو أنه القدرة
على التفاعل المعرفي والعاطفي والسلوكي مع الآخرين، ، والذي يتمّ من خلال عمليتين
هما: الإرسال (التحدث)
والاستقبال أو الاستماع ، وتعد الندوات واللقاءات والمؤتمرات إحدى
وسائل ممارسة الحوار الفعـال، الذي يعالج القضايا والمشكلات التي تواجه الإنسان
المعاصر(89).
وتكمن اهيمة الحوار في انه يتم من خلاله
تبادل الأفكار بين الناس ، حيث تتفاعل فيه
الخبرات وتتولد من خلاله أفكار جديدة ، الأمر الذي يساعد على التخلص من الأفكار الخاطئة ، وعلى تنمية
التفكير وصقل شخصية الفرد ، إضافة إلى أنه يساعد على الوصول إلى الحقيقة(90).
ولقد برزت قيمة الحوار بصورة واضحة خلال
أحداث الثورة ، فخلال أيام الثورة الثمانية عشر، كان الحوار بين الثوار هو السمة
الأساسية بينهم ، رغم اختلاف توجهاتهم
الايديولجية والدينية ، فقد امتلأ ميدان التحرير بالجلسات الحوارية حول الخطوات
التي يجب أن يقوموا بها ، وحول كافة قضايا الوطن ، وشهدت المنصات التي أقامها
الثوار داخل الميدان صور عديدة من الحوار بين المتحدثين والمستمعين .
كما برزت هذه القيمة بصور أكثر وضوحا من
مواقع التواصل الاجتماعي، مثل والفيسبوك والتويتر ، ومن خلال تبادل الرسائل الإلكترونية ، والتحاور من خلال غرف المحادثة (الشات ) والانضمام
الى المنتديات وإنشاء المدونات..وغيرها ، والتي مثلت
البنية التحتية التي قامت على أساسها أحداث 25 يناير، والتي استطاع قادتها حشد
مئات الألوف من الأنصار.
أما عن دور المؤسسات
التعليمية في غرس هذه القيمة وتنميتها لدى الطلاب ، فليس هناك من دور فعال يمكن أن
تلعبه أي مؤسّسة من مؤسّسات المجتمع ، في إشاعة ونشر ثقافة الحوار، وترسيخها كسلوك يومي
في التعامل مع الآخر، والاعتراف بحقوقه الإنسانية مثل الدور الذى تلعبه المؤسّسات التعليمية(91).
والواقع أن ثورة 25
يناير قد كشفت مدى حاجة الأولاد الذين سيصبحون بعد سنوات قليلة شباباً إلى التواصل
معهم ومعرفة أفكارهم، فغياب التواصل فى البيت والمدرسة جعل المواقع الاجتماعية
بديلا للتواصل الأسرى.
على
مستوى الفصل المدرسي فقد أصبحت لا تتفق مع هذه الثورة ديكتاتورية بعض المعلمين
داخل الفصل وعدم إعطاء الفرصة للتلميذ للتعبير عن رأيه وأن يحل المشكلة باستخدام
اليد وأن يدير المعلم الفصل دون إشراك المتعلم.. وبالتالي فنحن نريد ديمقراطية فى
التعليم، وتربية تقوم على الحوار والمناقشة.
ولابد من
أن تتحول فصولنا إلى ورشة عمل وندوات للرأى والرأى الآخر، يعبر فيها الكل عن رأيه وينتقد أفكار الآخرين ، ويحاول
الجميع التوصل إلى المعلومة الصحيحة بطرق سليمة فى ضوء مجموعة من القواعد
والمعايير التى تؤكد على قول الحقيقة واحترام الرأى الآخر المختلف بأسلوب حضارى.
(92).
فقد انتهى حيث انتهى عصر الإملاءات مع الأبناء، ويجب أن
نبنى علاقاتنا بهم على الصدق واحترام آرائهم مع إعطائهم فرصة للتعبير عن أنفسهم،
فالأولاد الآن
لديهم مصادر ثقافة متعددة وسّعت مداركهم، لذلك من الضروري مناقشتهم وعدم الاستخفاف بهم
وإعطاؤهم أوامر بلا داعي فتتكون قدرتهم على تقبل كل الآراء.
إن تنمية هذه القيمة لدى طلابنا تتطلب
ضرورة أن يؤمن المعلمون بأهمية الحوار وتبادل التفاعل الإيجابي بينه وبين طلابه
وزملائه ، وباعتباره من الركائز الأساسية لنحاجه في عمله ، فالحوار أداة للتحول
يفتح آفاقا أمام من يدخل فى علاقة تعلم تبادلية ويتيح الفرصة للاستمرار في التعلم لدى طرفي الحوار
(المعلم والمتعلم)
فكلاهما يتعلم وكلاهما يتحول أثناء هذه العملية ويستطيعان من خلاله تحويل علاقة اتسمت بالقمع
والسلطوية تقليديا، وأكدت تابعية التلميذ لمعلمه ، إلى علاقة تعاون واحترام وتعلم وتحرر.
رابعا:
أساليب تنمية القيم المستوحاة من ثورة 25 يناير لدى الطلاب:
يبدأ اكتساب القيم منذ الصغر وفى مرحلة
مبكرة من عمر الفرد ، ومن خلال عملية التنشئة الاجتماعية ، والتي من خلالها تتشكل
خبراته ومهاراته واتجاهاته وقيمه وعاداته خلال تفاعله مع أعضاء المجتمع والجماعة
التى يعيش فيها (93). ، وغالبا ما يميز الباحثين بين اكتساب القيم وارتقاءها أو تغيرها ،
فالأولى تعنى إضافة قيم جديدة الى نسق القيم والتخلى أو التنازل عن قيم أخرى ، أما
الثانية فيقصد بها تغير وضع القيمة على هذا المتصل(المتبنى او المتخلى) (94) ، أما ما نقصده بتنمية القيم فهو يشمل
المعنيين فعندما نقول تنمية القيم فإننا نقصد بذلك اكتساب تلك القيم لو لم تكن
موجودة ، والسعي إلى جعلها فى ترتيب متقدم فى نسق القيم الخاص بالطالب أو المجتمع
ككل
وإذا كنا قد تحدثنا بشكل خاص عن كيفية
تنمية تلك القيم المستوحاة من ثورة 25 يناير فإننا في النهاية نقدم مجموعة من
التوصيات عن بعض الإجراءت التي ينبغي إتباعها حتى نتمكن من تنمية تلك القيم لدى
أبنائنا.
في البدية نؤكد أن تنمية تلك القيم وان
كان يستدعى تضافر وانسجام كافة المؤسسات في المجتمع ، إلا أننا فى الوقت ذاته نؤكد
أن المؤسسات التعليمية هى المكان الأفضل للتربية على تلك القيم وذلك لقدرة هذه المؤسسات على العمل بمنهجية
علمية ، والانطلاق من رؤية واضحة ومتكاملة ، عما يجب تعليمه وتعلمه ، في إطار
مشروع تربوي متكامل يضمن وضوح الرؤية ، وتضافر الوسائل والإمكانات ، واتساق
المقاصد والغايات ، كما أنها تمثل منظومة متكاملة الحلقات تبدأ برياض الأطفال وحتى المراحل
الجامعية، بحيث إن كلّ مرحلة تمهد للمرحلة التالية وتعد لها ، فغرس وإدراج تلك القيم في المنظومة التعليمية ، يتطلب أفقا زمنيا طويل الأمد حتى تؤتي أكلها وتنضج ثمارها، كما أن تنمية تلك القيم لا تتحقق بمجرد تسطيرها وإدراجها في الوثائق الرسمية، بل إن تنميتها تتطلب ترجمتها إلى إجراءات عملية وسلوكية وتضمينها المناهج والكتب الدراسية، ومناهج إعداد وتدريب المعلمين ، وتهيئة المجتمع المدرسي لإدراك ضرورة تلك القيم وأهميتها ،
ويتمثل ذلك من خلال الإجراءات التالية :
1- أن
تضمن المؤسسات التعليمية في مقرراتها موضوعات تتعلق بتلك القيم ، وأهمية وضرورة
الالتزام بها وتبنيها .خاصة في ظل ما يعانيه الشباب من اغتراب نفسي وخلل قيمي
واضطراب في المعايير الاجتماعية والإنسانية والسياسية في ظل ما يشهده عالمنا
المعاصر من تحديات تكنولوجية
2- حث
أعضاء الهيئة التدريسية على أن يكونوا نماذج حية للسلوك القويم وقدوة صالحة لطلابهم في كافة تفاعلاتهم الاجتماعية والإنسانية القائمة على أساس التسامح الفكري والخلقي
والديني .
3- دراسة
ومتابعة القيم السائدة لدى الطلبة والعمل على دعم الصحيح والإيجابي منها ، وترشيد
الاتجاهات الخاطئة مع مراعاة حاجاتهم وميولهم وخصائص المرحلة لديهم ، لتحقيق الأثر
الفعال للتعليم في قيمهم وسلوكهم ، ولاسيما القيم المستوحاة من الثورة.
4- أن تراعى المؤسسات التعليمية الموضوعية في
الأهداف الخاصة بكل مقرر دراسي ونشاط طلابي ، بحيث تكون هذه الأهداف بعيدا عن
التحيز ، وقابلة للتطبيق حتى يمكن تدعيم بعض هذه القيم .
5- استخدام
وتوظيف الإشكاليات الأخلاقية في تعلم وتعزيز تلك القيم التي من بينها ، مدخل توضيح
القيم ، والذي يتم من خلال مجموعة من الأنشطة التعليمية التي من شانها تشجيع
المتعلم ومساعدته على التعرف والتفكير المتعمق فى قيمه ومبادئه ومواقفه الحياتية
بما يمكنه من الاختيار السليم منها والتمسك بها ، وتنعكس على أداءاته السلوكية .
6- الحرص على دعوة عدد من أبرز شباب الثورة
وقيادتها ليوضحوا للطلاب كيف كانت هذه القيم هي الموجهة والداعم لأنشطتهم خلال
أحداث الثورة بشكل أسهم في نجاحها
وتحقيقها لأهدافها.
7- أن
يؤمن المعلمون بأهمية الحوار التفاعل الإيجابي بينه وبين طلابه وزملائه ،
وباعتباره من الركائز الأساسية لنحاجه في عمله ، فالحوار أداة للتحول يفتح آفاقا
أمام من يدخل فى علاقة تعلم تبادلية ويتيح الفرصة للاستمرار في التعلم لدى طرفي الحوار
(المعلم والمتعلم)
فكلاهما يتعلم وكلاهما يتحول أثناء هذه العملية ويستطيعان تحويل علاقة اتسمت بالقمع
والسلطوية تقليديا، وأكدت تابعية التلميذ الى علاقة تعاون واحترام وتعلم وتحرر.
8- أن يؤمن المعلم بقضايا العدالة والحرية والكرامة
الإنسانية ويتشبع بفكرها، وفهى إجمالا قيم
ينبغي أن تكون راسخة بداخله، حتى يستطيع أن يغرسها فى طلابه.
المراجع والهوامش
1- قادرى
سمية ، شنين محمد المهدي: سيسيولوجيا الثورة متاح على http://bohothe.blogspot.com/2011/04/blog-post.html
2- إبراهيم ابراش : الثورة في العالم العربي ، كنتاج لفشل
الديمقراطية الأبوية والموجهة - متاح على http://palnation.org/vb/showthread.php?t=539
3- عماد
الدين إسماعيل وآخرون : قيمنا الاجتماعية وأثرها في تكوين الشخصية – مكتبة النهضة
المصرية – القاهرة – 1962.ص 4.
4- فوزية
دياب : القيم والعادات الاجتماعية ، مع بحث ميداني لبعض العادات الاجتماعية – مكتبة الأسرة - القاهرة – 2003.ص 21.
5- نشوى
محمد عبد الحميد: رأس المال الاخلاقى وثورة 25 يناير2011 – الحوار
المتمدن- العدد: 3435 - 2011 / 7 / 23 متاح على
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=268422
6- جيهان
فوزي : منظومة قيم جديدة ، أهم مكاسب الثورة- الأهرام اليومي- متاح على http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=432806&eid=2724
7- فاطمة
زكى :
منظومة القيم والثقافة المصرية قبل وبعد الثورة– الأهرام الرقمي عن
مجلة الديمقراطية- متاح على http://digital.ahram.org.eg/Policy.aspx?Serial=639913
8- ملك
زغلول: ثورة 25 يناير الحرية والعدالة ، نحو معلم ملتزم http://www.egyptladys.com/vb/showthread.php?t=117811
9- احمد مجدي حجازي : الثورة المصرية، علامة حضارية فارقة - الأهرام الرقمي
عن مجلة الديمقراطية- متاح على
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=478660&eid=6
10- ملك
زغلول: مرجع سابق.
11- احمد مجدي حجازي : مرجع سابق.
12- ملك
زغلول: مرجع سابق.
13- حاكم
المطيرى : الثورة العربية فلسفتها وغاياتها متاح على : http://www.almajlis.net/articles/18805-2011-03-06-04-52-14
14- رجائي عطية : قيم الثورات متاح على
http://www.almasry-alyoum.com/article2.aspx?ArticleID=295452&IssueID=2123
15- احمد
عاشور يونس: مفهوم الثورة :متاح على :
17- إبراهيم
أبراش: مرجع سابق .
18- عبد الوهاب الكيالي ، الموسوعة السياسية . بيروت :
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، الجزء الأول .1979، ص870.
19- شعبان
الطاهر الأسود : الاجتماع السياسي قضايا العنف
السياسي والثورة - القاهرة - الدار المصرية اللبنانية- 2003. ص46.
20- جابر
السكران : الثورة.. تعريفها.. مفهومها.. نظرياتها-
متاح على:
http://www.aljaredah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=13274
21- مفهوم
الثورة : ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة :متاح على : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9
22- شعبان
طاهر الأسود: مرجع سابق . ص 47.
23- تم
استخلاص هذه الخصائص من المصادر التالية :
- احمد زايد : اركيولوجيا الثورة وإعادة البعث للطبقة الوسطى - مجلة
الديمقراطية – السنة 11 - العدد 42 – مؤسسة الأهرام - ابريل – 2011.
- قادري سمية ، شتين محمد المهدي: مرجع سابق .
- احمد عاشور يونس:
مرجع سابق .
- حاكم المطيرى :
مرجع سابق.
- خالد كاظم أبو دوح : نحو سيسيولوجيا جديدة لفهم
ثورة المصريين – مجلة الديمقراطية – السنة 11 - العدد 42 – مؤسسة الأهرام -
ابريل – 2011.
- إبراهيم ابراش: مرجع سابق .
24- احمد
عاشور يونس: مرجع سابق .
25- تم
اشتقاق تلك المداخل من خلال المصادر التالية :
- قادري سمية ، شنين محمد
المهدي: مرجع سابق .
- شعبان الطاهر الأسود ، علم الاجتماع السياسي قضايا العنف
السياسي والثورة . القاهرة : الدار
المصرية اللبنانية .2003،ص 78.
- عبد الوهاب الكيالي ، الموسوعة السياسية . بيروت :
المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، الجزء الأول .1979، ص871.
26- سحر
إبراهيم بكر ، سعاد احمد عبد الغفار : التغيرات في النسق والقيمى لدى طلاب الجامعة
بعد ثورة 25 يناير- مجلة كلية التربية - جامعة المنصورة- المجلد 87 الجزء 3
– يناير2012.
27- محمد
احمد محمود خطاب : اثر ثورة 25 يناير على تغيير الاتجاهات السلبية نحو المشاركة
السياسية لدى طلبة الجامعة – بحوث المؤتمر السنوي السادس عشر لمركز الإرشاد
النفسي بجامعة عين شمس الذي عقد في 26-27 بعنوان "الإرشاد النفسي وإدارة
التغيير ، مصر بعد 25 يناير"- المجلد الأول
- كلية التربية - جامعة عين شمس- 2012.
28- محمد
فرج : الثورة وتغيير منظومة القيم : متاح على
انظر
كذلك
- جيهان فوزي : منظومة قيم جديدة. أهم مكاسب الثورة. متاح على:
http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=432806&eid=2724
- أوراق
عمل ندوة "المسئوليات الوطنية ، مهام جديدة بعد ثورة 25 يناير، رؤية حول المستقبل" – كلية التربية جامعة المنصورة بالاشتراك مع مركز دراسات القيم والانتماء الوطني وكلية التربية -
جامعة دمياط- 19ابريل 2012.
29- نفس
المرجع السابق .
30- نوال
السعداوى : أخلاقيات الثورة الجديدة والقيم المزدوجة القديمة متاح على file:///E:/%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%AA%20%D8%A7%D9%84%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9.htm
31- محمد
فرج : مرجع سابق .
32- عصام
بدران : المصريون
بعد الثورة
، الطريق بالنهضة يبدأ بالقيم: متاح على :
33- عبد
المجيد بن مسعود : القيم الإسلامية التربوية والمجتمع المعاصر – كتاب الامة –
السنة 18 العدد 67- وزارة الاوقاف والشئون الإسلامية – قطر – رمضان 1419ه .ص 111.
34- احمد
فؤاد رسلان : مصر الثورة ، التحدي والاستجابة – مكتبة الآداب –
القاهرة - 2011. ص 364
35- نفس
المرجع السابق. ص 357
36- خالد
فهمي : معجم شعارات الثورة.. خزينة الحكمة والوعي متاح على
http://www.ikhwanonline.com/new/Article.aspx?ArtID=79108&SecID=0
-
انظر كذلك
: هتافات ثورة 25 يناير : متاح علىhttp://www.revolution25january.com/january25revolution-chants.asp
37- احمد
فؤاد رسلان : مرجع سابق. ص 358
38- بسام
محمد أبو حشيش: دور كليات
التربية في
تنمية قيم
المواطنة لدى
الطلبة المعلمين
بمحافظات غزة.- مجلة جامعة
الأقصى - المجلد الرابع
عشر، العدد
الأول- يناير 2010.
39- فهد
عبد الكريم البكر : دور المدرسة في تعميق الانتماء للوطن متاح على
40- محمود
عبد العليم محمد: دور التعليم الجامعي في دعم الانتماء ، دراسة ميدانية
علي عينة من طلاب جامعة سوهاج - بحث مقدم ضمن مقتضيات الحصول علي درجة الليسانس في علم الاجتماع-
كلية الآداب جامعة سوهاج – 2008.
41- شيماء
مأمون :
أبناؤنا.. كيف نربيهم
على الانتماء للوطن؟ متاح على
42- محمد السنوسى الداودى محمد :
الثورة المصرية وتغيير العقلية "
هل حدثت المعجزة؟ ، دراسة من وجهة نظر الآخر لنا قبل وبعد الثورة . متاح على
43- نفس المرجع السابق.
-
لمزيد من التفاصيل عن
تغيير صورة الذات عند المصريين بعد ثورة 25يناير يمكن الرجوع إلى :
-
محمد المهدي : عبقرية
الثورة المصرية " تحليل نفسي واجتماعي لأحوال مصر قبل وبعد الثورة "
– دار الشروق – القاهرة 2011.ص 388.
- المجلس الأعلى
لرعاية اسر الشهداء ومصابي الثورة :أهم مكتسبات الثورة ، المكتسبات
الاجتماعية والأخلاقية متاح على :
44- للمزيد
من التفاصيل عن تلك الأساليب يمكن الرجوع إلى المصادر التالية :
- تركي بن سعد العتيبي : الأساليب التربوية لتفعيل
الانتماء الوطني لدى
التلاميذ المرحلة الابتدائية - رسالة ماجستير – كلية التربية- جامعة الملك سعود – 1427.
- فكرى عبد المنعم محمد السعدنى : المتطلبات
التربوية لتنمية الانتماء للوطن لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية بمحافظة جنوب سيناء –
مجلة البحوث النفسية والتربوية – كلية التربية - جامعة المنوفية – السنة
25- العدد الثالث – 2020.
- عروبة
جميل محمد : دور المدرسة في غرس قيم
المواطنة- الحوار المتمدن - العدد: 2909 – فبراير 2010 .
-
أحمد علي كنعان: دور التربية في مواجهة العولمة وتحديات القرن الحادي العشرين وتعزيز الهوية الحضارية
والانتماء للأمة - بحث مقدم إلى ندوة:العولمة وأولويات التربية - المنعقدة في رحاب
كلية التربية بجامعة الملك سعود في الفترة من 27-28 /2/1425هـ الموافق
17-18/4/2004م
-
بسام محمد أبو حشيش: دور كليات التربية
في تنمية
قيم المواطنة
لدى الطلبة
المعلمين بمحافظات
غزة- مجلة
جامعة الأقصى
- المجلد
الرابع عشر،
العدد الأول- يناير 2010.
-
خالد عبده خليفة : أساليب وطرائق تربوية تعين على غرس القيم التربوية والإيمانية
لدى الطلاب . متاح على
http://onizah-sch.sch.sa/girls/article-mid9-aid45.html
45- شيماء
مأمون : مرجع سابق .
46- محمد
المهدي : عبقرية الثورة المصرية " تحليل نفسي واجتماعي لأحوال مصر قبل وبعد
الثورة " – دار الشروق – القاهرة 2011.ص 165.
47- العدالة
الاجتماعية: ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة . متاح على : http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9
- قاسم محمد محمود خزعلي: التصور الإسلامي
للقيم في الفلسفات التربوية الوضعية- مجلة علوم إنسانية - السنة السادسة: العدد 41: ربيع 2009 .
48- احمد
فؤاد رسلان : مرجع سابق. ص 380
49- عمر سليم و صلاح سامح : العدالة الاجتماعية
. متاح على :
50- محمد
حامد الجمل : ثورة 25 يناير العدالة الاجتماعية
-
انظر كذلك : إبراهيم سند الشيخ
: ثورة يناير رؤية مستقبلية متاح
على :
- عمر سليم و صلاح سامح :
العدالة الاجتماعية - مرجع سابق .
51- عبد المنعم السيد : العدالة الاجتماعية وثـــورة
ينايــر متاح على http://www.alwafd.org/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA
52- سمير
كرم : العدالة الاجتماعية هدف الثورة الذي اختفى متاح على http://shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=06032012&id=1712b1f8-8994-469b-8e2e-deacb80b3528
53- الكرامة
الإنسانية : ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة :متاح على :
%85%D8%A9
54- كلثم
جبر : الكرامة
الإنسانية.. بين النظرية والواقع : متاح على http://www.elaphblog.com/posts.aspx?u=1749&A=47943
55- محمد
سالم الراشد : بناء الإنسان
المصري،
رؤيــــة نهضـــة مصر «أم
الدنيـــــا» . متاح على http://magmj.com/index.jsp?inc=5&id=6648&pid=1532
انظر كذلك :
-
سلطان الرفاعي :
الكرامة الإنسانية المنتهكة : الحوار المتمدن- العدد : 1071 - 2005 / 1 / 7
– متاح على :
-
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=29379
56-
السيد يسين : الثورة والسعي إلى
الكرامة الإنسانية: متاح على
http://www.alraynews.com/Papers.aspx?id=14221
57-
نفس المرجع السابق
58- جمال على الدهشان : المعلم المصري والثورة ، ، "رؤية
مستقبلية"، بعد ثورة 25 يناير- ورقة عمل مقدمة إلى
مؤتمر " تطوير التعليم بعد ثورة 25 يناير، رؤية مستقبلية "الذي عقد
بمركز الإبداع بالمنوفية وبالتعاون مع المجلس الوطني للتعليم في 1/2/2012.
59-
جمعة أمين : التضحية والفداء في الإسلام : http://www.daawa- info.net/books1.php?parts=186&au=%CC%E3%DA%C9%20%C3%E3%ED%E4
60- شبل
بدران : تعليم النخبة بعد ثورة 25 يناير – جريدة الأهرام – مؤسسة الأهرام -
السنة136- العدد 45596 عدد 8 أكتوبر 2011 .
61- سارة
الليثى: مفهوم المشاركة السياسية متاح على
http://midia.elaphblog.com/posts.aspx?U=3801&A=67118
62- نفس
المرجع السابق
63- - كمال المنوفي : الثقافة السياسية المتغيرة – مركز الدراسات
السياسية والإستراتيجية بالأهرام
– القاهرة 1979 .
64- - صلاح
منسى : المشاركة السياسية للفلاحين متاح على
65- نفس
المرجع السابق.
66- السيد غانم: المشاركة السياسية - في النظام السياسي تحرير:على الدين هلال
القاهرة، المركز العربي
للبحث والنشر - 1983.ص 58
67- نهال
قاسم: الشباب والمشاركة السياسية بعد الثورة المصرية متاح على http://www.anntv.tv/new/showsubject.aspx?id=28217
68- محمد السنوسي الداودى محمد :مرجع
سابق
-
انظر كذلك :
مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بالقاهرة : مشاركة
المصرين في الحياة السياسية – استطلاعات الراى - يونية 2011. متاح على: http://www.idsc.gov.eg/Publications/PublicationDetails.aspx?typeid=13&id=277
69- مركز
المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء بالقاهرة : ثورة 25 يناير في عام –
تقرير شهري يصدر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء- تقارير معلوماتية – السنة السادسة –
العدد 61 – يناير 2012.
70- إبراهيم
سند الشيخ : ثورة يناير رؤية مستقبلية – متاح على :
71-
عبد المنعم المشاط:
التعليم والتنشئة السياسية – مستقبل التربية العربية – المجلد الأول –
العدد الثاني – مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بالقاهرة – ابريل 1995. ص 125
انظر
كذلك :
-
صلاح السيد عبده رمضان :دور التنشئة السياسية فى تحقيق متطلبات التحول الديموقراطى
فى الوطن العربي فى ضوء التحولات العالمية المعاصرة "دراسة تحليلية فى تحديات
الواقع وطموحات المستقبل – مجلة البحوث النفسية والتربوية – السنة 24-
العدد الثالث – 2009.
72-
عبد المنعم المشاط:
تحليل مقررات الدراسات الاجتماعية فى مصر – بحث مقدم الى مؤتمر " التعليم
والتنشئة السياسية فى مصر " – أبو سلطان
مصر – 1992.
73-
عبد المنعم المشاط:
التعليم والتنشئة السياسية - مرجع سابق .ص 125
74-
المرجع السابق .ص 126
.
75-
صبرى الدليل :
التعاون - متاح على
http://yamamh.maktoobblog.com/1261/%D9%82%D9%8A%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86/
76- التعاون:
ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة . متاح على :
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%88%D9%86
77- نفس
المرجع السابق.
78- قيمة التعاون والجماعية متاح على
79- نفس
المرجع السابق.
80- هيفاء
جمل الليل،
أ.
كيري لوفر: التعاون ومدرسة المستقبل: باتجاه
نموذج للقيادة ومفهوم أعظم" " متاح على :
81- محمد حسن المزين
:
دور الجامعات الفلسطينية في تعزيز قيم التسامح لدى طلبتها من وجهة نظرهم –
رسالة ماجستير غير منشورة – كلية التربية بغزة – جامعة الأزهر – 2009.ص131
82- شريف الشافعي: دراسة تحليل شخصية (المصري)
متاح على:
http://www.albasrah.net/ar_articles_2011/0211/zahra_180211.htm
83- السيد
زهرة : ثورة
مصر والوحدة الوطنية . متاح على
http://www.albasrah.net/ar_articles_2011/0211/zahra_180211.htm
84- المجلس
الأعلى لرعاية اسر الشهداء ومصابي الثورة :أهم مكتسبات الثورة ، المكتسبات
الاجتماعية والأخلاقية متاح على :
85- السيد
يسين : الثورة والدولة والوحدة الوطنية متاح على
http://www.alraynews.com/Papers.aspx?id=15294
86- سلسلة هكذا علمتنا الثورة
: الإصرار
متاح على
http://e3sar-samet.mazikaraby.com/t6178-topic
87- نفس
المرجع السابق.
88- يحي
بن محمد حسن زمزمي: الحوار آدابه وضوابطه في ضوء الكتاب والسنة- ، دار المعالي ، عمان 1422ه- ص 22.
89- الحوار : تعريفه,أهميته, أهدافه, آدابه, قواعده... متاح على http://www.zahran.org/vb/zahran15903.html
90- حوار
:
من ويكيبيديا، الموسوعة
الحرة
متاح على
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D9%88%D8%A7%D8%B1
91- ناظم
عبد الواحد الجاسور: دور المؤسسات التعليمية الحكومية والاهلية في نشر
ثقافة الحوار متاح على
93- حنان
محمد فوزى الصادق محمد :القيم المتضمنة فى الرسوم المتحركة فى التليفزيون المصري
لأطفال ما قبل المدرسة (دراسة تقويمية)- رسالة دكتوراه غير منشورة – كلية
التربية – جامعة المنوفية – 2006 ص33
94- عبد اللطيف محمد خليفة: ارتقاء القيم
(دراسة نفسية ) – عالم المعرفة - العدد 160– الكويت- 1995.ص68
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق