الخميس، 19 ديسمبر 2013

دور التربية الكشفية فى التنمية الشاملة للمجتمع





   كلية التربية
قسم أصول التربية

 

                            

 

دور التربية الكشفية فى التنمية الشاملة للمجتمع




بحث مقدم إلى
مؤتمر تحديات التنمية في ضوء المتغيرات العالمية الراهنة ‘‘ نحو صيغة ملائمة للتنمية في مصر ‘‘ – كلية الآداب – جامعة المنوفية – ابريل 1993 .

 



إعداد


دكتور / جمال على  الدهشان

أستاذ أصول التربية المساعد
كلية التربية - جامعة المنوفية

مقدمة :
شغلت قضية التنمية - بأبعادها المختلفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية - في السنوات الأخيرة مكان الصدارة في الفكر العالمي، فقد أصبحت الهدف الرئيسي المعلن لرجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتربية في مختلف دول العالم ودول العالم النامي - ومن بينها مصر - بصفة خاصة، يعبر عن ذلك كثرة المؤتمرات الدولية والقومية والمحلية وتعدد البرامج والخطط التي تضعها الحكومات والهيئات لتحقيق أهداف التنمية وزيادة معدلاتها.
فالتنمية أصبحت في الوقت الراهن مطمح تسعى إلى تحقيقه الدولة النامية، وشعارا يرفع في كل مناسبة، وأملا تسعى إلى تحقيقه، وقضية قومية يجب أن تحشد من أجلها جهود جمع أفراد المجتمع، وذلك لتجاوز تخلفها والاستفادة من العلم والتكنولوجيا لتحقيق ارتفاع في مستوى المعيشة، وتحسين نوعية الحياة، ولقد اكتسبت التنمية دلالة الحل السحري لقضايا المجتمعات الإنسانية ومشكلاتها، عندما وضعت أدبيات التنمية ما يسمى بالبلدان المتخلفة أو النامية والبلدان المتقدمة، وأكدت أن الفرق بين المجموعتين هو قصور التنمية في الأولى ونجاحها في الثانية. (1)
وإذا كانت التنمية بمفهومها الشامل لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فقط، بل تركز على عملية التغيير المجتمعية الواعية ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية، الهادفة إلى رفع مستوى معيشة الفرد وشعوره بقيمته ومكانته في مجتمعه، فان هذه التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا بتضافر جهود المؤسسات الاجتماعية الموجودة بالمجتمع ومن بينها التربية، بل أن التربية تحظى من بين تلك المؤسسات بدور متميز في أحداث التنمية واستمراريتها(2)، فالتربية تعد دعامة رئيسية من دعامات التنمية الشاملة في أي مجتمع.
وإذا كانت التربية بمعناها العام تشمل جميع الأنشطة والممارسات التي يقوم بها المجتمع لتنمية الأفراد، والمتعلقة بالتعليم والإعداد والتدريب سواء تم ذلك داخل المدرسة (التعليم النظامي) أم خارجها (التعليم غير النظامي) وسواء قامت بتلك الأنشطة مؤسسات حكومية أو منظمات جماهيرية، أو مهنية، أو جهات خاصة أو أهلية، فان العقود الثلاثة الماضية قد شهدت تنامي الوعي بأهمية التعليم غير النظامي ودوره في تنمية الموارد البشرية باعتباره الإستراتيجية التربوية التي تمكن من الوفاء بمتطلبات التنمية وتحقيق ديمقراطية التعليم (3).
فالتعليم غير النظامي يمكن أن يؤدى دورا هاما في مساعدة الأفراد - وبخاصة الكبار منهم- في حل مشكلاتهم المتجددة المترتبة على تغير الظروف المحيطة، فعن طريق البرامج التربوية في المتجر والمصنع يمكن إعداد الموظفين والفنيين لإحداث التطورات التكنولوجية، وإعداد العاملين من أجل التعاون والتكاتف لحل المشكلات الصعبة، وبخاصة ما يرتبط منها بتنظيم العمل وإدارته، كما أن برامج التربية التي يتلقاها الأفراد في وقت فراغهم من خلال الثقافة الجماهيرية أو الأندية ومراكز الشباب - وغيرها، تسهم بدور فعال في إعدادهم لمواجهة مشكلات الحياة الاجتماعية بصورة حضرية، أي أن برامج هذا النوع من التعليم يمكن أن تسهم في التنمية وتحسين الحياة، عن طريق تزويد الأفراد بالمعرفة والحكمة والمهارة التي تؤهلهم لفهم المشكلات الاجتماعية والعمل على حلها.(4)
وإذا كان التعليم غير النظامي يشمل جميع البرامج والأنشطة التعليمية التي تقدمها المؤسسات والتنظيمات الاجتماعية بعيدا عن قيود مؤسسات التعليم النظامي كالأسرة ودور العبادة، والمصانع والمصالح الحكومية، ومؤسسات الثقافة الجماهيرية والمعارض والمتاحف والساحات الشعبية والنقابات والجمعيات والاتحادات وغيرها، بالإضافة إلى الأنشطة غير النمطية التي تتم داخل النظم التعليمي نفسه (5)، فان مؤسسات وحركات الشباب كحركة الكشافة، بيوت الشباب - تعد إحدى مؤسسات التعليم غير النظامي، حيث تتضمن برامجها وأنشطتها كثير من الأنشطة التربوية التي تسهم في تربية الشباب وإعداده لتنمية المجتمع وتطويره.
وإذا كانت للتربية بمؤسساتها المختلفة النظامية وغير النظامية دورا أساسيا في تنمية المجتمع وتطويره، فان الدراسة الحالية تسعى إلى التعرف على الدور الذي يمكن أن تقوم به الحركة الكشفية - باعتبارها إحدى مؤسسات التربية غير النظامية - كحركة تربوية شبابية تطوعية اختيارية في تنمية المجتمع وتطويره تنمية شاملة.
تحديد مشكلة الدراسة:
         في ضوء ما سبق تتحدد مشكلة الدراسة الحالية في محاولة الإجابة عن التساؤلات التالية:-
1-    ما مفهوم التنمية الشاملة وما خصائصها ؟
2-    ما دور التربية في التنمية الشاملة للمجتمع ؟
3-    ما موقع الحركة الكشفية من التربية ؟
4-    ما دور التربية الكشفية في التنمية الشاملة للمجتمع، وما وسائلها للقيام بهذا الدور ؟
أهداف الدراسة:
         تسعى الدراسة الحالية إلى الكشف عن دور بعض المؤسسات التربوية غير النظامية في تنمية المجتمع، من خلال التعرف على الدور الذي يمكن أن تقوم به التربية الكشفية في تنميته، باعتبارها ( الحركة الكشفية ) إحدى روافد التربية في المجتمع، والوسائل أو الطرق التي تتبعها الحركة لتحقيق ذلك.
أهمية الدراسة:
         تكمن أهمية الدراسة في الآتي:-
1-  أنها تتناول قضية هامة وأساسية وهى قضية التنمية باعتبارها الشغل الشاغل لكل دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء.
2-  أنها تتناول الدور الهام الذي يمكن أن تقوم به التربية بصفة عامة والتربية غير النظامية في تطوير المجتمع وتنميته.
3-  أن هذه الدراسة تتناول مجالا جوهريا من مجالات التربية الكشفية، وهذا المجال في حاجة إلى مزيد من الدراسات والبحوث من جانب الباحثين والمشتغلين بالتربية.  
مصطلحات الدراسة:
1-  التربية الكشفية:
         يتحدد مفهوم التربية الكشفية في ضوء مفهومي التربية والحركة الكشفية، فإذا كانت التربية بمفهومها العام هي كل ما يبذل سواء بطريقة مقصودة أم غير مقصودة لتنشئة الفرد تنشئة اجتماعية وأخلاقية وتؤهله للتوافق مع المتغيرات والظروف العصرية السائدة في مجتمعه، وإذا كانت الحركة الكشفية - كما نص دستورها - حركة تربوية للفتية والشباب ذات طابع تطوعي لا سياسي، مفتوحة للجميع دون تفرقة في الأصل أو الجنس أو العقيدة - وذلك وفقا للهدف والمبادئ التي ابتكرها مؤسسة الحركة _ وتهدف إلي المساهمة في تنمية الشباب لتحقيق أقصى نمو لقدراتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية كأفراد وكمواطنين مسئولين وكأعضاء في مجتمعاتهم المحلية والقومية والعالمية(6).
         وفي ضوء ذلك يمكن تعريف التربية الكشفية بأنها الجهود والأنشطة والممارسات الكشفية التي تتم لتنمية الأفراد تنمية شاملة متكاملة متوازنة لجميع جوانب شخصياتهم الروحية والبدنية والفكرية والاجتماعية، لتجعل منهم أعضاء إيجابيين قادرين علي تطوير أنفسهم ومجتمعهم، والتوافق مع المتغيرات والظروف العصرية السائدة في مجتمعهم، وذلك وفق أهداف ومبادئ وطرائق الحركة الكشفية التي حددها دستورها العام.
2- التنمية الشاملة:
         يقصد بها مجموعة العمليات المقصودة والمخططة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والهادفة إلي رفع مستوى معيشة الفرد، وزيادة قدرة المجتمع علي مواجهة مشكلاته وحلها ذاتياً، وذلك من خلال الاعتماد علي تكامل الجهود الحكومية والأهلية.
منهج الدراسة وخطواتها:
         يستخدم الباحث في هذه الدراسة منهج البحث الوصفي، لوصف وتحليل الأدوار التي يمكن أن تقوم بها التربية الكشفية لتنمية المجتمع وتطويره والوسائل التي تستعين بها للقيام بهذه الأدوار، وذلك من خلال تحليل الكتب والنشرات وتقارير المؤتمرات والدراسات والبحوث التي تناولت التربية الكشفية وما تتضمنه من مناهج وأنشطة متنوعة، وارتباطاً بتساؤلات الدراسة البحثية، سارت خطتها في أربعة خطوات متتالية:-
أولاً- تحديد مفهوم التنمية الشاملة وخصائصها.
ثانياً- توضيح دور التربية - النظامية وغير النظامية - في التنمية الشاملة للمجتمع.
ثالثاً- توضيح موقع الحركة الكشفية من التربية، مع توضيح خصائصها كرافد من روافد التربية.
رابعاً- تحديد دور التربية الكشفية في تنمية المجتمع وتطويره تنمية شاملة، ووسائلها في ذلك.
أولاً- مفهوم التنمية الشاملة وخصائصها:
         علي الرغم من الاهتمام المتزايد بقضية التنمية وأبعادها، فإن مفهوم التنمية مازال من المفاهيم الغامضة والمثيرة للجدل والخلاف، فليس هناك تعريف محدد متفق عليه بين الباحثين والعلماء لمفهوم التنمية، ولما يرتبط بها من مفهومات أخرى مثل أهداف التنمية ومؤشرات التنمية وغيرها، فمفهوم التنمية يستمد معناه لدى كل من يستخدمه من النظرية العامة التي يتبناها، تلك النظرية التي تحتوي علي الافتراضات الأساسية أو المسلمات الرئيسية عن طبيعة المجتمع، وطبيعة الإنسان والقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، والأنساق الاجتماعية التي يعيش في ظلها وموقفه منهاوغيرها(7).
والواقع أن الاختلاف حول تحديد مفهوم التنمية يترتب عليه في الغالب اختلافات في البرامج التي توضع لتحقيق التنمية، واختلافات في تصور العقبات التي تقف في طريق تحقيقها.
وإذا كانت التنمية يقصد بها في كثير من الأحيان، التنمية الاقتصادية، والتي تبدو في إطار ضيق تحكمها مؤشرات ذات دلالات محدودة كالناتج القومي أو متوسط دخل الفرد، فإن الواقع يشير إلي أن الاقتصار علي قياس التنمية بالنمو الاقتصادي معبراً عنه بزيادة متوسط الدخل القومي والفردي، ليس صالحاً دائماً لقياس مدى التنمية، ويتجلى خطأ معادلة التنمية بالنمو الاقتصادي في حالة الأقطار العربية المنتجة للنفط بشكل خاص، حيث حققت هذه الأقطار معدلات مرتفعة في متوسط الدخل، إلا أنها لا تزال محسوبة ضمن البلدان النامية، ولو كان مؤشر زيادة الدخل القومي والفردي كافياً لاعتبرت هذه الدول في عداد الدول المتقدمة. (8).
فالتنمية - بمعناها الشامل - ليست مجرد ثروة مادية تتضاعف وتتكاثر، ولكنها حركة مجتمع أو قطاع منه، يتم بالعلم المفيد والمهارة البناءة والاتجاهات السليمة والقيم الرفيعة، والقدرة العقلية الخلاقة من أجل رفع مستوى معيشة أفراده، وتحسين وجودة حياته، وزيادة رصيد وفاعلية حضارته(9)، فهي عملية متكاملة وشاملة لمختلف أوجه النشاط في المجتمع، تضم جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، وهذه الجوانب تتكامل وتتفاعل بعضها مع بعض في إطار نسيج من الروابط بالغ التعقيد، ولذلك فإنه من الصعب تصور تنمية في جانب دون يصاحبها تنمية في الجوانب الأخرى، والتنمية بذلك ترتكز علي قدرات ذاتية متعددة ومتطورة، تتمثل في قدرة اقتصادية دافعة ومتعاظمة، وقدرة اجتماعية متفاعلة ومشاركة، وقدرة سياسية واعية وموجهة وقدرة إدارية ذات كفاءة منظمة ومنفذة، وانحسار أي نوع من هذه القدرات يشل التنمية ويعرقلها(10).
والتنمية بهذا المعنى لا تمثل فقط الناتج النهائي لمجموع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والإدارية، بل محصلة تفاعلات مستمرة بين هذه العوامل، ويتوقف مدى أهمية كل عامل من هذه العوامل ومدى تأثره وتأثيره في عمليات التنمية، علي الظروف التي تتم فيها عملية التنمية، وعلي المرحلة التي قطعتها مسيرة التنمية في بلد معين، فقد تلعب العوامل الاقتصادية دوراً بارزاً في مرحلة معينة من مراحل التنمية في بلد معين، بينما تلعب العوامل السياسية الدور الحاسم في نفس المرحلة في بلد آخر، أو في نفس البلد في مرحلة لاحقة من مراحل التنمية فيه (11).
 وفي ضوء هذا التصور الشامل للتنمية يعرف البعض التنمية بأنها العملية المجتمعية الواعية الموجهة التي يتم بمقتضاها تعبئة الجهود المادية والمعنوية لتغيير واقع حاضر إلي واقع أفضل، بما يؤدي إلي إشباع حاجات الجماهير الأساسية وحل مشكلاتها الضاغطة(12)، أو أنها عملية تغيير مخططة ومقصودة وشاملة بهدف أحداث تغيير إيجابي اجتماعي واقتصادي وثقافي داخل المجتمع، عن طريق استخدام موارده المالية والبشرية، بمشاركة الجهود الحكومية والأهلية لمواجهة مشكلات المجتمع ولإشباع حاجاته الاجتماعية والاقتصادية والثقافية(13)، ويعرفها الباحث بأنها "مجموعة العمليات المقصودة والمخططة ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، والهادفة إلي رفع مستوى معيشة الفرد، وزيادة قدرة المجتمع علي مواجهة مشكلاته وحلها ذاتياً، وذلك بالاعتماد علي تكامل واتساق الجهود الحكومية والأهلية.
في ضوء هذا الفهم الشامل للتنمية يتضح أن هناك عدة خصائص للتنمية الشاملة من أهمها:-
1-  إن التنمية كعمليات مقصودة مخططة تعني ضرورة أن تقوم علي وضع خطة أو مجموعة خطط متكاملة نابعة من الفلسفة العامة التي يرتضيها ويتبناها المجتمع.
2-  إن التنمية لا ترتبط بقطاع معين من المجتمع دون آخر، فمن الصعب تصور تنمية في جانب دون أن يصاحبها تنمية في الجوانب الأخرى، فالتنمية إطار عملي يجب أن يشترك فيه، وأن يساهم فيه جميع المؤسسات والقطاعات والأفراد كل حسب الدور المحدد له، وهذا يعني أن التنمية لا تتم بجهود الدولة وحدها أو الشعب وحده، وإنما يتضافر جهود الطرفين، الشعب بكامل وكافة قطاعاته، والدولة بمختلف مؤسساتها.
3-  إن التنمية عملية شاملة متكاملة اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً وصحياً، ذلك لأن أي نشاط إنساني هو نشاط كلي متكامل يقوم بالشخصية الإنسانية لصالح الشخصية الإنسانية في كافة جوانبها.
4-  إن التنمية مسألة نسبية ودائمة التغير، فأهداف التنمية تتغير وفقاً لما يحتاج إليه المجتمع، وما هو ممكن التحقيق، ولما كان الاحتياج والممكن يتغيران وفقاً للظروف، فإن أهداف التنمية ومتطلباتها يخضعان لذلك التغير، فالتنمية عملية مستمرة ومتغيرة تبعاً لتغير حاجات الإنسان التي لا تنتهي، وتبعاً لما يستجد في طريقه من مشكلات وتحديات سواء من الطبيعة أو مع أخيه الإنسان(13).
5-  إن الإنسان هدف التنمية ووسيلتها في آن واحد، فهي تتم به ومن أجله ولذلك تتطلب التنمية تغييراً جذرياً في فكر الإنسان وقدراته وسلوكه، كما تتطلب ضرورة مشاركته في رسم سياسات التنمية وبذل أقصى جهد في سبيل تحقيق أهداف تلك السياسات أياً كان مستواه الوظيفي أو القطاع الذي يمارس فيه نشاطه، والإنسان لا يستطيع أن يقوم بدوره في التنمية ما لم يعط الفرص والضمانات الكافية، وما لم تهيأ له الأسباب والقدرات حتى تكون مشاركاته ومساهماته ذات مردود إيجابي علي التنمية، ومن هنا تتضح العلاقة بين التربية والتنمية.
6-  إن التنمية يجب أن تكون منهاجاً وطنياً يتفاعل معه المجتمع بكل قطاعاته، بحيث يكون توجه المجتمع نحو التنمية نابعاً من إيمان بذلك المنهاج، وبحيث يكون بالإمكان تحريك كافة الطاقات نحو التنمية(15).
ثانياً- دور التربية في التنمية الشاملة:
انطلاقاً من المفهوم الشامل للتنمية والسابق عرضه، يتضح إلي التنمية الشاملة في المجتمع، لا يمكن أن تتحقق إلا بتضافر جهود مختلف أفراده ومؤسساته ومن بينها التربية، وإن كانت التربية تحظى من بين تلك المؤسسات بدور متميز في إحداث التنمية واستمراريتها، وفوق ذلك تعد التربية بذاتها مؤشر من مؤشرات التنمية لكونها إحدى الحاجات الأساسية التي تحققها التنمية(16)، فتنمية رأس المال البشري (من خلال التربية) أصبحت جزءاً لا يتجزأ، ودعامة رئيسية من دعامات التنمية الشاملة(17)، باعتبار أن الإنسان غاية هذه التنمية ووسيلتها في نفس الوقت، فمن أجله، ترسم الخطط والسياسات، وبجهوده الفكرية والجسدية والتنظيمية تتحقق أهداف هذه الخطط والسياسات، ولعل تأملاً متعمقاً في الشروط التي تنطوي عليها عملية التنمية، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن توفير هذه الشروط يعود في كثير منه إلي التربية، فالعلم المفيد والمهارة البناءة والاتجاهات السليمة والقيم الرفيعة، من أجل رفع مستوى معيشة أفراد المجتمع لا تكون إلا بالتربية والتعليم(18).
والواقع أن الدور الذي يمكن أن تقوم به التربية في تحقيق التنمية يتمثل في ثلاث نقاط:(19)
1-  إيجاد قاعدة اجتماعية عريضة متعلمة بضمان حد أدنى من التعليم لكل مواطن يمكنه من العيش في مجتمع يعتمد علي القراءة والكتابة ووسائل الاتصال الجماهيري علي مختلف أنواعها.
2-  المساهمة في تعديل نظام القيم والاتجاهات بما يتناسب والطموحات التنموية في المجتمع، ومن ذلك تعزيز قيم العمل والإنتاج، ودعم الاستقلالية في التفكير، الموضوعية في التصرف، ونبذ الاتكالية والنزعة الاستهلاكية، وإطلاق الطاقة الإبداعية للفرد، بتنمية قدرته علي الملاحظة والتجريب والتحليل والتطبيق، وتأكيد دور الفرد في المساهمة في بناء مجتمعه، وضرورة تمتعه بممارسة هذا الدور، والمشاركة الفكرية والاجتماعية والسياسية ضمن إطار حق تمتع الآخرين بهذا الدور.
3-    تأهيل القوى البشرية وإعدادها للعمل في القطاعات المختلفة وعلي كل المستويات وذلك من خلال:
أ) التزويد بالمهارات والمعارف والقيم اللازمة للعمل المستهدف.
ب) التهيئة للتعايش مع العصر التقني، وتطوير وسائله وطنياً، من خلال التركيز علي العلوم الطبيعية والتطبيقية.
جـ) التوازن في تأهيل العاملة حسب الاحتياجات المتغيرة، ويتطلب ذلك التركيز علي القاعدة العريضة في التأهيل أولاً، وتفريعه حسب الاحتياجات، مع إعطاء الأولوية للأطر الفنية المتوسطة التي تمثل نقصاً خطيراً في معظم الدول النامية.
ومما تجدر الإشارة إليه أن دور التربية في التنمية لا يتحقق إلا إذا اتضحت الرؤية التنموية في كل مجالاتها ومنها المجال التربوي، فكما أن التربية إذا أحسن استخدامها وتوجيهها تساهم بفعالية في تحقيق التنمية واستمراريتها، فإن تطوير التربية وتمكينها من أداء دورها المأمول، يتحقق بيسر بقدر ما يتوفر للمجتمع من تحقيق متوازن للتنمية في جوانبها المختلفة، فالوعي السياسي والتنظيم السياسي المناسب يسهم في توجيه التربية ومراقبة تطورها، والنمو الاقتصادي فوق توفيره للأموال اللازمة للعمل التربوي، يوجه التربية بمتطلباته ويحدد نوعية مخرجاتها، ووضوح التوجه الثقافي وإيجابية الإعلام يعزز دور التربية في تحقيق أهدافها التنموية.(20)
ولذلك فإن دور التربية في التنمية ينبغي أن يتم في ضوء دراسة النظام التربوي القائم وما يتضمنه من سلبيات وإيجابيات مع وضع الظروف الاقتصادية والثقافية والاجتماعية السائدة في المجتمع موضع الاعتبار، وملاحظة ما لها من آثار سلبية وإيجابية علي حركة التعليم ودوره في التنمية، أما أن تؤخذ التربية بمعزل عن المحيط الذي تعمل فيه، ويتوقع منها مساهمة فعالة في التنمية، فإن هذا غير ممكن، وتدل المراجعة الاستقرائية لواقع التربية في العالم الثالث والبلاد العربية علي صحة هذه المقولة بشكل متواتر، فلقد عاشت تلك الدول فترة من الزمن تنظر للتعليم علي أنه المنقذ والأمل الوحيد لإحداث التنمية وتسريعها، تحت سيطرة تلك النظرة الخاطئة كانت الجهود الكبيرة والأموال تصرف علي التعليم علي حساب مشاريع أخرى، ولكن هذه الدول اكتشفت بعد فترة زمنية طويلة أن التعليم قد يكون ذا أثر سلبي علي طموحات المجتمع، وأن نتائجه في التنمية هامشية وسلبية في بعض الأحيان، وبخاصة إذا كان غير مرتبط بواقع المجتمع واحتياجاته، (21) إذ المعروف أن في النظام التعليمي الحالي - في معظم تلك الدول - بعض السلبيات مثل اتخاذه في بعض الأحيان بعض الاتجاهات التي تعتبر من منظور التنمية سالبة مثل إعداد الأفراد للأعمال الحكومية، حتى أولئك الذين يتخرجون من المدارس الفنية، والاهتمام بتكوين القادة دون العناية بتكوين الفئات العاملة المتوسطة والدنيا، والارتباط بالمدينة في إعداد الأفراد، مما يشد أهل الريف من المتعلمين للسعي إلي العمل في المدينة وهجرة الريف بدلاً من تقبله والسعي للعمل فيه والعمل علي تطويره، (22) إضافة إلي اعتماد برامج التعليم وأساليبه فيها علي التلقين والحفظ، هو ما يمكن أن يؤدي إلي تبلد الفكر وعدم القدرة علي المبادرة، أو حتى مواجهة الضغوط والتحديات العصرية.
ثالثاً- الحركة الكشفية وموقعها من التربية:
تشير النظرة الخاطفة للتطور العام لصورة التربية عبر العصور، إلي أن هذا التطور قد مر بثلاث مراحل زمنية كبرى، ففي المرحلة الأولى كان كل الصغار يتعلمون من كل الكبار وفي كل مكان في المجتمع، بأساليب بسيطة ومتداخلة من نشاطات الحياة اليومية، أما المرحلة الثانية فتميزت بظهور مؤسسات نظامية - المدارس - تتولى مسئولية التربية لأفرادها، وبسيطرتها علي المسرح التربوي، ثم بدأ مؤخراً مرحلة ثالثة اتسمت بنظرة كلية شاملة للتربية، تكسر احتكار التعليم النظامي لمسئولية التربية، ليكون للتعليم غير النظامي فيها دور أساسي - متكامل مع دور التعليم النظامي - في تحقيق التنمية التربوية وفي تطوير المجتمع، (23) حيث أصبح المسئولون عن السياسات التربوية والمخططون والإداريون يقرون بأن التعليم والتعلم لا يمكن أن يكون مرادفاً للتعليم المدرسي فقط، وأنه لابد من الاهتمام بالتعليم غير المدرسي، فلم تعد المدرسة مكان التعليم الأوحد، ولم يعد في وسعها الإدعاء أنها تضطلع وحدها بالوظائف التربوية في المجتمع، ثم أن إمكانات التعلم باتت تشمل عناصر متعددة ومتنوعة، لا يمكن إدخالها ضمن نظام موحد تخضع إدارته ومراقبته لسلطة مركزية واحدة، فالتربية لم تعد حكراً علي القطاع الخاضع لاختصاص وزارة التربية والتعليم، بل أصبحت تهم كذلك هيئات ومؤسسات أخرى، لاسيما تلك العاملة في مجال التنمية، كما لم تعد التربية والتعليم مرادفين للتعليم المدرسي، حتى ولو كان عدد كبير من أولياء أمور التلاميذ يماثلون التربية بالمدرسة، وهمهم الأول أن ينال أبناؤهم الشهادة التي تمنحها هذه الأخيرة، تمكيناً لهم من إيجاد عمل بات أصعب فأصعب منالاً، وعلي الرغم من أن مماثلة التعليم بالتعليم المدرسي مازالت راسخة في عقول كثير من الآباء، إلا أن موجه الاستياء والانتقادات ضد النظم المدرسية القائمة مافتئت تتصاعد وتتسع علي نحو مقلق أمام قصور المدرسة وإخفاقها، (24) حيث طالب بعض المفكرين بموت المدرسة، (25) وطالب البعض الآخر بإلغاء المدرسة "مجتمع بلا مدارس" منادياً باللامدرسية، (26) وهو ما عزز وحفظ الاهتمام المتنامي بأشكال تعليمية غير مدرسية كتكملة للمدرسة، وكبديل عنها في بعض الأحيان.
والواقع أن التعليم غير النظامي قد اكتسب أهمية متزايدة خلال السبعينات من القرن العشرين، وتناولته دراسات عديدة، ودعت منظمات عديدة - دولية وإقليمية ومحلية - إلي التوسع فيه باعتباره من أحدث المجالات المفضلة لديها في قطاع التربية، وباعتباره أحد الصيغ التعليمية التي يمكن أن تسهم في التغلب علي بعض مشكلات التعليم النظامي، ولسد نواقص أو ثغرات وتناقضات التعليم المدرسي التقليدي، والتي تتمثل في التدفق الطلابي، والنقص الواضح في الموارد والإمكانات، والارتفاع المطرد في التكاليف، هذا بالإضافة إلي جمود هذا النظام التقليدي وانعدام فاعليته وعدم تلبيته للحاجات العملية للمجتمع، كما أن الاهتمام بالتعليم غير النظامي قد تواكب مع تعاظم الوعي بأهمية التعليم في عملية التنمية الشاملة في المجتمع، والفائدة التي يقدمها التعليم غير النظامي للتنمية بصفة خاصة، فهذا التعليم يمكن أن يسمح باستخدام الموارد النادرة المتاحة استخداماً فعالاً، ويضمن التوسع في الوسائل التعليمية، ويحسن من تكافؤ الفرص التعليمية، ويساعد علي تكييف التعليم تكييفاً أفضل من مقتضيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.(27)
وإذا كان التعليم غير النظامي أو المسمى أيضاً التعليم غير المدرسي يشمل كل أشكال التعليم التي تأتي نتيجة مقصودة من قبل المصدر والمتعلم في آن واحد، فيحصل اللقاء بين المرسل والمستقبل بفعل وإرادة مشتركة، وقوانين تنسق العلاقة بين مؤسساته وتنظيماته، وطرائق منظمة للتدريس وتقديم المعلومات والمعارف، بمعنى أنه يشمل كل نشاط تربوي منظم يتم خارج نطاق التعليم النظامي - سواء من حيث الانفصال التام عن مؤسساته، أو من حيث المعالم البارزة لبعض أنشطته، أي يشمل جميع البرامج والأنشطة التي تقدمها تشكيلة متنوعة من المؤسسات تشمل ميادين عملها الصحة والزراعة والصناعة العمل والشباب الكشافة والإعلام.. وغيرها، (28) فإن حركات ومؤسسات الشباب - كحركة الكشافة، مراكز الشباب، الأندية، بيوت الشباب، جمعيات الشبان المسلمين والشبان المسيحية وغيرها- تعد إحدى مؤسسات التعليم غير النظامي، فهذه المؤسسات تتضمن برامجها وأنشطتها كثير من الأنشطة التربوية.
فالحركة الكشفية حركة شبابية تربوية تطوعية اختيارية، أساسها التربية والتعليم عن طريق العمل والممارسة لأوجه عديدة من الأنشطة المرغوبة والمثيرة والمشوقة، والتي تتناسب مع خصائص المراحل العمرية لأعضائها، بغية المساهمة في تنمية الشباب لتحقيق أقصى نمو لقدراتهم البدنية والعقلية والاجتماعية والروحية كأفراد وكمواطنين مسئولين، وكأعضاء في مجتمعاتهم المحلية والقومية والعالمية، وهي حركة عالمية تسعى إلي بث الأخوة والصداقة الإنسانية بين أعضائها دون التفرقة بينهم بسبب الجنس والعقيدة أو الأصل، وبعيدة عن الأحزاب والتكتلات السياسية. (29)
فقد تجاوزت فلسفة الحركة الكشفية الفكر القديم، الذي كان يتمثل في قصر وظيفتها علي الترويح وشغل أوقات الفراغ، واتجاه برامجها نحو البرامج الترفيهية، إلي فلسفة تربوية هادفة متكاملة، ووسيلة من وسائل التربية والتعليم غير المدرسية، تعتمد اعتماداً كلياً علي فاعلية وجهد الفرد المتعلم في مواقف مرغوبة ومثيرة لميوله واهتماماته واحتياجاته، تتمثل في الألعاب الخلوية والرحلات والمعسكرات الكشفية والهوايات العملية والعلمية المختارة، وتعتمد اعتماداً كلياً علي تنظيم وإدارة الأنشطة واتخاذ القرارات من خلال الأفراد، وتلك ممارسات تحرص عليها الفلسفات التربوية الحديثة. (30)
فنظام الكشافة نظام تربوي يسعى إلي تنمية النشء والشباب جسمياً وعقلياً وروحياً، وتعويدهم مصادقة الطبيعة، والتأثر بمشاهدها، والتعرف علي مظاهرها وأسرارها، وتدريبهم علي الحرف والأعمال التي يحتاجونها، وتعوديهم الاعتماد علي النفس والتعاون مع الجماعة، وقوة الملاحظة، ودقة الانتباه، والوفاء والأمانة والصبر والشجاعة وخدمة الإنسان حيثما كان. (31)
والحركة الكشفية - لذلك - تعتبر رافداً من روافد التربية، حيث تتكامل في أهدافها وممارساتها مع أهداف وممارسات روافد التربية الأخرى في المجتمع سواء كانت نظامية أم غير نظامية، فجميعها يسعى إلي تربية الفرد تربية متكاملة شاملة الجانب الروحي والمعرفي والمهاري أو البدني، بل أن البعض يرى أن التربية الكشفية تزداد أهمية عن روافد التربية الأخرى لعدة أسباب لعل من أهمها ما يلي:-(32)
1-  تهتم بتنشئة أعداد كبيرة من أبناء المجتمع تنشئة تربوية متكاملة بدنياً وروحياً وعقلياً ونفسياً منذ سن مبكرة نسبياً توازي تقريباً سني مراحل التعليم.
2-  تتناسب أنشطتها وبرامجها مع خصائص المراحل العمرية لأعضائها، فلكل مرحلة من مراحلها الأربعة (الأشبال - الكشاف - الكشاف المتقدم - الجوال) برامج وأنشطة تتفق وخصائص كل مرحلة.
3-    تعتمد في الانتساب إليها علي الرغبة المطلقة والدافعية الذاتية لمن يرغبون في الانتماء إليها.
4-  تعتمد في فلسفتها ومبادئها وممارستها علي عدة محاور أساسية ترتبط ارتباطاً مباشراً باحتياجات التنشئة الأساسية للفرد سواء فيما يتعلق بالحاجة إلي الإيمان، والانتماء لعقيدة معينة ولوطن معين، ولأمة معينة، وللإنسانية جمعاء، أم فيما يتعلق بالارتباط ببيئة معينة يسعى لاكتشاف عناصرها ومواردها ويحافظ عليها، ويستثمرها بشكل رشيد كما يسعى لتطويرها وزيادة مواردها.
5-  تعتمد في أساليبها - بصفة أساسية - علي النواحي التطبيقية والعملية، فهي ليست تربية نظرية، ولكنها تربية من خلال الممارسة والعمل متخذة من أسلوب الاستكشاف ركيزة لها.
6-  تتم أنشطتها وبرامجها بعيداً عن حجرات الدراسة المغلقة، حيث يمارس الجزء الأكبر من هذه الأنشطة في الخلاء وبين أحضان الطبيعة.
7-  تتسم برامجها وأنشطتها بالتنوع والمرونة، شأنها في ذلك شأن غيرها من مؤسسات التربية غير النظامية.
8-    تؤكد علي تنمية الجوانب الإنسانية والتفاهم الدولي، فالحركة الكشفية حركة إنسانية عالمية.
رابعاً- دور التربية الكشفية في التنمية الشاملة ووسائلها للقيام بهذا الدور:
إذا كان قد اتضح مما سبق أن الحركة الكشفية حركة تربوية تتفق أهدافها وتتناغم بدرجة كبيرة مع الأهداف العامة للتربية، وإذا كان للتربية دور أساسي في التنمية الشاملة، فإن للتربية الكشفية - أيضاً - دوراً هاماً أساسياً في تحقيق أهداف التنمية، ولذلك حرصت معظم المؤتمرات الكشفية العالمية علي التأكيد من خلال قراراتها علي دور الحركة في عملية التنمية، فقد نص قرار المؤتمر الكشفي العالمي الذي انعقد في طوكيو عام 1971 علي ما يلي "يلفت المؤتمر النظر إلي مشكلة دور الشباب في التنمية في ضوء الأهمية المتزايدة لهذه التنمية، ويذكر القادة في الدول المتقدمة بأن يبتكروا من الوسائل ما يشجع الكشافين علي المساهمة الفعالة في عملية التنمية في دولهم"، (33) ولذلك كان من الضروري إدخال برامج خاصة بالتنمية ضمن البرامج الكشفية حتى يأخذ الكشافون مكانتهم المناسبة ويشاركون مشاركة إيجابية فعالة في شتى مجالات التنمية التي تحتاجها بلدانهم.
كما أكدت إستراتيجية الحركة الكشفية العربية حتى عام 2000 علي عدد من الأسس من أهمها إعداد الفتية والشباب للقيام بدور إيجابي فعال في خدمة وتنمية بيئاتهم ومجتمعاتهم، (34) كما يؤكد المدير الفني للاتحاد العام للكشافة والمرشدات علي أنه يمكن من خلال الحركة الكشفية إحداث التغيير الذي يسهم في تحقيق التنمية، لأن المبادئ التي تعمل من خلالها الحركة مبينة علي: (35)
-        فلسفتها التي تهدف إلي تكوين العادات الطيبة والاتجاهات البناءة.
-    مبادئها التي تعلم الكشاف عن طريق العمل والقدوة الحسنة، وقدرته علي خدمة نفسه وأسرته ومجتمعه.
-    مناهجها الواسعة وأنشطتها المتعددة والشيقة التي تحوي كل الفنون والعلوم والقدرات والمهارات بما يتمشى مع مراحل النمو المختلفة، وبرامجها التي تعتمد علي فاعلية الكشاف وتمكنه من استغلال قدراته.
-        وسائلها عن طريق الاقتناع والممارسة والعمل والتربية الاستقلالية.
-    ميدانها الفسيح حيث الطبيعة الخلابة التي يتم من خلالها تدريب الكشاف علي الملاحظة والبحث عن الحقائق والمعلومات ووضع التقييم.
والواقع أنه بفحص وتحليل فلسفة وأهداف وأنشطة وبرامج التربية الكشفية يتضح لنا أنها يمكن أن تقوم بعدة أدوار في مجال التنمية الشاملة للمجتمع ومن خلال ما يلي:-
1- الإعداد الروحي والخلقي للفتية والشباب:
يشكل الإعداد الروحي والخلقي أهمية كبيرة في إعداد الفرد القادر علي تحقيق أهداف التنمية، فالطاقة الروحية تمنح الفرد طاقة لا حدود لها، وتسلحه بضروب من الصبر والشجاعة يواجه بها كافة الاحتمالات ويقهر بها مختلف المصاعب والعقبات، ولذلك فهي ركن أساسي وهام في تكوين شخصية الفرد والجماعة، وعنصر أساسي في كل نهضة وتقدم.
وانطلاقاً من ذلك تحرص التربية الكشفية علي الاهتمام بالقيم الروحية والخلقية وتزويد أفرادها بها، فأهم ما ركزت عليه الحركة في أهدافها هو تنشئة الكاشفين علي الصلة بالله والعبودية له وعلي التمسك بالقيم والمثل العليا والتحلي بالأخلاق الفاضلة كالصديق والأمانة والوفاء بالوعد وغيرها من القيم التي أكدت عليها الأديان السماوية، فالمبدأ الأول من مبادئ الحركة الكشفية هو الواجب نحو الله، من خلال الالتزام بمبادئ روحية، وطاعة العقيدة التي تعبر عنها، وتقبل الواجبات التي تنتج طبقاً لذلك، (36) بمعنى أن يحافظ الكشاف علي أداء الشعائر الدينية وأن يتمسك بمبادئ الدين ويعمل بإرشاداته، ويؤدي ما يأمر الله به، ويتجنب ما ينهي عنه، فالتمسك بمبادئ الدين ليس فقط في أداء الشعائر، وإنما في العمل بما تدعو إليه الأديان من فضائل ومثل عليا. (37)
وإذا كان علماء التربية قد أجمعوا علي أن أفضل طريقة للتزويد بالقيم الدينية والروحية والأخلاقية هو اكتسابها من خلال العمل والنشاط، فإن الحركة الكشفية تهيئ الفرصة لاكتسابها من خلال ما يأتي:-
أ- تعويد الكشافين علي أداء الشعائر الدينية في أوقاتها، مع التمسك بالفضائل والتدريب علي ممارسة العادات الحميدة، والتزام القائد الكشفي بأن يكون قدوة حسنة في التمسك بمبادئ الدين والتحلي بالأخلاق.
ب- ممارسة الكشافين لبعض الأنشطة الكشفية التي ترمى إلي تقوية الوازع الديني، ومحبة الخير في نفوسهم مثل اشتراكهم في الجمعيات الخيرية التي تتولى جمع التبرعات في المناسبات المختلفة، والاشتراك في بعض الأعمال الخيرية بدور العبادة كنظافة وإصلاح وترميم وتنسيق بعض مرافقها، الأمر الذي يترك أثراً إيجابياً في نفوس الكشافين نحو تأصيل وتدعيم الوازع الديني. (38)
جـ- تنظيم المسابقات الدينية للكشافين، وهو ما يحمل الكشافين علي الإطلاع علي منابع الثقافة الدينية، ويزوده بالمعارف والمفاهيم الدينية الصحيحة، ويبعده عن الأفكار المتطرفة، ويقوده إلي الدين المستقيم.
د- تنظيم المعسكرات والمخيمات والرحلات الخلوية لأعضائها، حيث يخرج الكشاف إلي الطبيعة فيدرس مظاهر وآيات الكون، ويقترب من الأسرار التي وضعها الله سبحانه وتعالى في خلقه والتأمل فيها، بما يقربه إلي الله ويزيد من إيمانه، وفي الخلاء يحرص الكشافون علي أداء الصلوات في مواعيدها جماعة تحت سماء الخالق، وفي مجلس السمر تلقى كلمة دينية قصيرة، والنفس التي أرتوت بمتعة حياة الخلاء تكون أكثر تقبلاً لحديث الإيمان، وأكثر اقتناعاً به. (39)
2- الإعداد للمواطنة والانتماء والعمل علي إعلاء شأنه:
يعد تقوية شعور كل مواطن بانتمائه إلي وطنه، وتدعيم إيمانه بأهداف الوطن، وتوجيهه توجيهاً يجعله يفخر به ويخلص له، ولا يتردد في الدفاع عنه، من الأمور الأساسية لتحقيق أهداف التنمية، أو التي لا يمكن أن تتم التنمية الشاملة إلا به، فهذا الشعور يساعد المواطن علي إدراك واجباته والتزاماته نحو أسرته ووطنه، ويحثه علي القيام بهذه الواجبات والالتزامات، ويعنيه علي فهم ظروف مجتمعه وأهم مشكلاته وأسبابها، والوسائل التي تساعد علي علاجها، كما ينمي فيه الرغبة الأكيدة في الإسهام في الإصلاح، وفي القيام بما يستطيعه نحو النهوض بوطنه كي يصبح هذا الوطن، ناهضاً يسعد المواطنون بالحياة فيه، مع ملاحظة أن الأمر لا يقف عند حد الشعور بالولاء للوطن أو تنمية عاطفة الحب نحوه فقط، بل يجب أن يقترن ذلك بالعمل، بحيث يتحول ولائه للوطن إلي إدراك حق الوطن عليه. (40)
والتربية الكشفية تؤكد من خلال فلسفتها ومبادئها وأنشطتها علي تنمية الولاء للوطن لدى الكشافين، فالمبدأ الثاني من مبادئ الحركة الكشفية يؤكد علي الواجب نحو الآخرين من خلال الولاء للوطن والانتماء إليه، كما أن البند الثاني من قانون الحركة ينص علي أن الكشاف مخلص لوطنه، بما يؤدي إلي رفع شأن هذا الوطن، (41) وتتجه التربية الكشفية إلي إعداد الكشاف للمواطنة من خلال عدة وسائل من أهمها: (42)
أ- توجيه الكشاف إلي التعرف علي علم بلاده وتاريخه، وتعود احترامه وإجلاله عند رفعه وإنزاله في بداية كل اجتماع أو معسكر كشفي.
ب- تنظيم بعض الندوات الثقافية التي تتناول موضوعات تساعد علي إلمام الكشاف بنظام الحكم والاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية، والإلمام بالحركات التحررية والمواقف الخالدة لأبطال هذه الحركات، وكذلك الإلمام بالأحداث الجارية في بلاده، الأمر الذي يسهم في غرس قيم الانتماء والولاء لوطنه.
جـ- استغلال المناسبات والأعياد القومية ليقوم الكشافون بإقامة حفلات يقدمون فيها بعض التمثيليات التي تهدف إلي بث الروح القومية، وشرح الأهداف الوطنية، وتنوير المشاهدين وتبصيرهم بحقوقهم وواجباتهم.
د- تنظيم المعسكرات والرحلات التي تعمل علي ربط الكشاف ببيئته، فيتعرف علي معالمها ويزور أماكنها التاريخية والأثرية، ويدرس إمكانياتها الطبيعية والبشرية، ويقف علي نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية لسكان البيئة، الأمر الذي يمكن أن يجعل الكشاف أكثر ارتباطاً بوطنه، وبأنه أحد أبناء هذا الوطن يحتم عليه أن يتحمل مسئوليته في خدمة بلده بوعي وعزيمة صادقة.
3- تنمية الوعي بأهمية العمل وزيادة الإنتاج:
 يشكل العمل المنتج مفتاح التقدم والنمو في أي مجتمع، ومن ثم فإن المدخل التربوي للتنمية الاقتصادية يركز علي تعظيم الكفاءة الإنتاجية للسكان، وذلك من خلال توعية أفراد المجتمع بأهمية وزيادة الإنتاج، فالعمل المنتج يعد الأداة التي تجعل الأفراد قادرين علي مواجهة متطلبات حياتهم ليشقوا طريقهم بنجاح، وينهضوا بمسئولياتهم، ويوفر الرخاء والرفاهية لهم، (43) كما يمثل العمل الإنساني قيمة جوهرية في حياة الفرد والمجتمع، فقدرة الفرد علي العمل المنتج البناء، تنعكس علي ذات الفرد وعلي مجتمعه بالعديد من القيم والمعاني السامية، وتحول بين الفرد وبين انحرافه أو تعرضه لبعض الآفات الاجتماعية حيث أشارت بعض الدراسات إلي وجود علاقة طردية بين معدلات البطالة والجريمة. (44)
فالعمل هو الدعامة الأساسية لإقامة علاقة تبادلية بين الفرد والمجتمع، ولتحفظ لكل من الطرفين كيانه وتواجده وديمومته، ولذلك تهدف التربية إلي تنمية الوعي بأهمية العمل الإنساني علي أساس أنه وسيلة وقيمة في نفس الوقت، (45) أو أنه غاية ووسيلة. (46)
والتربية الكشفية تؤكد من خلال فلسفتها ومبادئها وأنشطتها علي أهمية العمل بصوره المتنوعة، فالحركة الكشفية ترى في احترام وتقدير العمل الأساس الجوهري في تربية الفرد، لا من خلال الوعظ والإرشاد، ولكن من خلال جعل العمل اليدوي خاصة جزءاً لا يتجزأ من حياة الكشاف في نشاطاته المتنوعة والمثيرة، حيث تعتمد طريقتها علي التعليم بالممارسة والخدمة العامة، (47) ولذلك فهي تسعى إلي زيادة قدرة الكشافين علي العمل والإنتاج، وتعويدهم علي احترام العمل اليدوي، وتنمية قدراتهم علي القيام ببعض الأعمال اليدوية وذلك من خلال عدة وسائل من أهمها:
أ- قيام الكشافين ببعض الأعمال اليدوية - عند تنظيم المخيمات والمعسكرات في الخلاء - مثل تخطيط المكان والمواقع والتعرف عليه واستطلاعه علي الطبيعة، وإقامة الخيام، والمرافق الصحية والإدارية والملاعب، وذلك بتقسيم أعضاء المخيم إلي مجموعات عمل صغيرة يتولى كل فرد فيها القيام بعمل محدد ومعين له. (48)
ب- تدريب الكشافين علي مجموعة من الهوايات العلمية والعملية، والتي تعد أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها حركة الكشافة، هذه الهوايات تعد وسيلة فعالة لاستثمار وقت الشباب، وإعانتهم علي الحياة المنتجة الشريفة. (49)
جـ- قيام الكشافين ببعض الزيارات الميدانية للمواقع الخدمية والإنتاجية والصناعية للتعرف عن قرب علي نشاطات تلك المواقع، والمشاركة في أداء بعض الخدمات في هذه الوحدات والمواقع، بما يعمل علي التأثير الإيجابي في نفوس الكشافين بأهمية العمل وضرورته.
4- توعية أفراد المجتمع ببعض المشكلات المجتمعية:
يواجه المجتمع المصري العديد من المشكلات التي قد تحول دون تحقيق أهداف التنمية الشاملة فيه، من هذه المشكلات مثلاً المشكلة السكانية، مشكلة البطالة، مشكلة الأمية، مشكلة تلوث البيئة، التطرف، والإرهاب وغيرها، ولذلك فإن تنمية المجتمع تنمية شاملة تتطلب ضرورة العمل علي إيجاد حلول لهذه المشكلات، ليس فقط من خلال سن مجموعة من القوانين والتشريعات تتعلق بهذه المشكلات - باعتبارها أحد الوسائل لحل هذه المشكلات - ولكن لابد ومن الضروري أن تساند هذه القوانين والتشريعات المؤسسات التربوية - النظامية وغير النظامية - لتنمية وعي الجماهير - القائم علي الفهم والإدراك - بخطورة هذه المشكلات وأساليب مواجهتها.
والحركة الكشفية تسهم في رفع درجة الوعي الجماهيري ببعض المشكلات المجتمعية من خلال تزويد الكشافين والجوالين بمعرفة وإدراك قضاياهم المجتمعية، وتنمية مهارات الاتصال لديهم للتعامل مع الجماهير في إبراز بعض المشكلات التي تواجه المجتمع، وإبراز دور كل فرد في حلها وغيرها.
وتعتمد التربية الكشفية في القيام بعملية التوعية بمشكلات المجتمع علي عدة وسائل من أهمها: (50)
أ- تنظيم قوافل ورحلات كشفية تجوب المناطق السكانية والإنتاجية والخدمية في البيئة المحلية بهدف تبصير وتوعية أفراد البيئة ببعض مشكلات المجتمع، ومناقشة الأساليب المختلفة لمواجهتها.
ب- عرض مسرحيات وتمثيليات قصيرة بأسلوب هادف متضمنة معان ورموز حول بعض المشكلات الموجودة في المجتمع، مع توضيح خطورة هذه المشكلات وأساليب مواجهتها مع دعوة بعض أفراد البيئة المحلية لحضور هذه العروض.
جـ- عقد ندوات كشفية يحاضر فيها أساتذة متخصصين تتناول بعض مشكلات المجتمع وأثرها علي أفراد المجتمع، مع السماح بفتح المناقشات والحوارات المنظمة بين المحاضر والمستمعين لتحقيق مزيد من الفهم والإدراك لأبعاد هذه المشكلات وحلولها.
د- إقامة بعض المعارض الكشفية التي تتناول بعض أعمال الكشافين والجوالين، وناتج هواياتهم التي تتعلق بمشكلات المجتمع وآثارها السلبية علي الفرد والجماعة، ودور كل فرد في العمل علي حلها.
هـ- توزيع بعض الملصقات والنشرات الكشفية الإعلامية المصورة - والتي توضح واقع المجتمع والبيئة المحلية، وما يواجهها من مشكلات والحلول المختلفة لها - علي أفراد البيئة المحلية التي يوجد فيها المعسكر الكشفي.
و- تنفيذ بعض الدورات التدريبية الكشفية - من خلال مراكز إعداد القادة - لتوعية الكشافين والجوالين ببعض مشكلات المجتمع وحلولها المختلفة، بهدف إعداد وتكوين كوادر كشفية مدربة وواعية للعمل مع الجماهير والمساهمة في رفع درجة الوعي بهذه المشكلات الحيوية.
5- تنمية القيم والاتجاهات الإيجابية والسلوكيات المواتية لعملية التنمية:
يواجه مجتمعنا - كما تواجه معظم المجتمعات النامية الأخرى - عدد من القيم والسلوكيات السلبية غير المواتية لعملية التنمية، كما تفتقر في ذات الوقت إلي عدد من السلوكيات الإيجابية التي تساند التنمية وتضاعف من احتمالات نجاح خططها، وتستطيع التربية أن تعالج ما لا يتفق مع متطلبات التنمية من قيم وسلوكيات، وأن تنمي في ذات الوقت عدداً من السلوكيات الجديدة التي تسرع بالتنمية، وتزيد من فاعليتها، ذلك أن نظرة جديدة، وأنماط سلوكية جديدة، ينبغي تكوينها وتنميتها في حياة الأسرة والمجتمع، والتربية هي السبيل المباشر لبناء هذه القيم والسلوكيات. (51)
والتربية الكشفية تستطيع أن تقوم بدور فعال هادف وإيجابي في هذا المجال من خلال الحرص علي إكساب الكشافين والجوالين قيمة المحافظة علي الملكية العامة، وتنمية عادات استهلاكية وادخارية من نوع جديد، والخدمة العامة، وحسن استثمار وصيانة الموارد البيئية، والاعتماد علي أنفسهم فيما يقومون به من أعمال ومهام، والتربية الكشفية تقوم بذلك من خلال عدة وسائل منها:-
أ) استثمار بعض خامات البيئة المحلية - خاصة المهملة - في تصنيع بعض النماذج الكشفية والتي يمكن استخدامها في الحياة اليومية لمعسكراتهم ومخيماتهم الكشفية، وذلك بهدف غرس قيم الادخار وصيانة واستخدام الموارد البيئية المحلية، بالإضافة إلي احترام وتقدير الوقت وعدم إهماله واستثماره في الإنتاج المثمر.
ب) تنظيم رحلات لمواقع العمل ومصادر الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعي والوحدات الخدمية، مع توجيه وتبصير الكشافين إلي أهمية هذه المواقع والوحدات، والمحافظة عليها، باعتبارها ثروة قومية، فذلك يعمل علي تعويدهم علي المحافظة عليها ويغرس في نفوسهم قيمة المحافظة علي الملكية العامة وتقديسها. (52)
جـ) تعويد الكشافين أثناء إقامة المعسكرات والمخيمات الكشفية علي ترشيد استهلاكهم، والبعد عن صور الإسراف والبذخ في المأكل والملبس، والاستفادة مما هو متاح في البيئة المحلية التي يقام فيها المعسكر أو المخيم.
6- المشاركة الإيجابية في العمل ببرامج خدمة المجتمع وتنميته:
يعد اشتراك المواطنين في برامج خدمة المجتمع وتنميته شرطاً أساسياً من شروط نجاح برامج التنمية الشاملة في المجتمع، فتنمية المجتمع تتم من خلال جهود كلاً من الحكومة والمواطنين، وهو ما يؤكد ضرورة اشتراك المواطنين في برامج التنمية.
والتربية الكشفية - انطلاقاً من ذلك - تستطيع أن تسهم وبشكل فعال ومتميز في خدمة وتنمية المجتمع، وذلك من خلال برامجها وأنشطتها المتنوعة والهادفة، وبخاصة برامج الخدمة العامة في المجتمع، فتنمية المجتمع والخدمة العامة تعد أحد الأركان الأساسية التي تقوم عليها حركة الكشافة بصفة عامة وحركة الجوالة بصفة خاصة، وتقوم التربية الكشفية بهذا الدور من خلال: (53)
أ) اشتراك الكشافين في الهيئات الاجتماعية الأخرى التي تعمل لخدمة الآخرين مثل الجمعيات الأهلية والنوادي.
ب) اشتراك الكشافين أو المنظمات الكشفية الإقليمية مع الوزارات وهيئات ووحدات الحكم المحلي والأجهزة الخدمية في تنفيذ العديد من مشروعات خدمة المجتمع وتنميته لعل من أهمها:
·   ردم البرك والمستنقعات وتطهير المجاري المائية ومكافحة الأمراض المستوطنة، والتطعيم ضد بعض الأمراض المنتشرة في البيئة، وذلك بالتعاون مع مديريات الصحة ووحدات الحكم المحلي.
·   مقاومة الآفات الزراعية، وتشجير الطرق العامة والفرعية، وترقيم المساكن وتجميل المدن والقرى وذلك بالتعاون مع الجمعيات الزراعية ووحدات الحكم المحلي.
·   تنفيذ بعض البرامج لمحو الأمية وتعليم الكبار، وبرامج أخرى لتقوية التلاميذ في مراحل التعليم الأساسي والثانوي، وذلك من خلال تنظيم حلقات دراسية مفتوحة في الخلاء، مع الاستفادة بالأساليب والطرق الكشفية في ربط برامج الدراسة بالبيئة المحلية، ومحاولة توظيف هذه البرامج الدراسية لخدمة المجتمع وتنميته.
·   تقديم خدمات دورية لأماكن العبادة والمستشفيات بالحي، أو بعض الخدمات وقت الأزمات والحروب وهو ما حدث أثناء كارثة الزلزال في أكتوبر 1992 الماضي.
7- تنمية وتعميق التفاهم والسلام الدوليين لدى أعضائها للعيش في مجتمع دولي تسوده الرفاهية والرخاء:  يعيش المجتمع الدولي ظروف مضطربة تتسم بالانقسامات والصراعات التى توشك أن تجر البشرية إلي حرب عالمية ثالثة تؤدي إلي القضاء علي ما أحرزته البشرية من تقدم في ميادين الحضارة والثقافة، وليس أدل علي ذلك من الانقسامات الحادة داخل الأسرة الدولية، ولاسيما المنطقة العربية التي شهدت حرباً مدمرة خلال شتاء 1991، هذا بالإضافة إلي الصراعات العرقية داخل دول الكومنولث السوفيتية، والصراع الدائر في يوغوسلافيا بين جمهوريتي الصرب والجبل الأسود من جهة وجمهوريتي البوسنة والهرسك وكرواتيا من جهة أخرى، وما يثار الآن حول انحياز المنظمة الدولية ومجلس الأمن للبعض دون البعض الآخر، والشك فيما تصدره من قرارات، الأمر الذي يمكن معه القول بأن مستقبل الإنسانية وكيانها يتهدده الخطر والتدمير، ما لم تنهض الأمم والشعوب بالتفاهم والالتقاء علي مبادئ وقيم إنسانية واحدة.
والواقع أن تحقيق هذه التعاون والتفاهم الدوليين قد أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وسوف تزداد ضرورته في المستقبل، وذلك كنتيجة لتطور وتنوع وسائل الإعلام والاتصال علي المستوى الدولي، والذي أدى إلي إلغاء كل من عنصري الزمن والمسافة بين دول العالم، بالإضافة إلي التطور والتزايد المتسارع في كم ونوع المعلومات والمعارف، إلي جانب التقدم المستمر في العلم والتكنولوجيا والاتجاه نحو وحدة الثقافة الإنسانية، ومزيد من الترابط بين الدول المختلفة.. الخ، (54) ولذلك كان من الضروري علي مؤسسات التربية ومنها التربية الكشفية، التأكيد علي هذه المبادئ والقيم والسعي لتحويلها إلي واقع فعلي بوسائل متعددة.
والحركة الكشفية باعتبارها حركة دولية تضم تحت لوائها شباب العالم، تعمل علي تنمية التفاهم الدولي من خلال عدة وسائل منها:
أ) اشتراك الكشافين في المخيمات العالمية.
ب) تبادل الزيارات بين شباب الكشافة علي اختلاف مستوياتهم وأعمارهم للتعارف، وتكوين الصداقات التي تقرب بين أبناء الحركة، فتجعلها تحقق أهدافها كحركة إخاء عالمي، وكذلك تبادل الاستضافة بين الكشافين في بيوتهم، وتشجيع المراسلات.
جـ) تشجيع الحصول علي شارات الهوايات التي تساعد علي نشر الصداقة مثل شارة الدليل، شارة المترجم، شارة الصداقة.
د) دعوة فرق الكشافة الأجنبية للاشتراك في أعياد واحتفالات أي بلد تأكيداً لصلات الصداقة، وإشعار هذه الفرق بالانتماء إلي حركة واحد تربطهم برباط الأخوة العالمية.
 ومما تجدر الإشارة إليه أن ما سبق عرضه من أدوار ووسائل يعبر عما يمكن أن تقدمه التربية الكشفية لتحقيق التنمية الشاملة، أما واقع ما تقوم به التربية الكشفية تجاه التنمية وغيرها من القضايا، فأمر يحتاج إلي دراسات أخرى لتقويمه والتعرف علي إيجابياتها والتأكيد عليها، وسلبياتها للتخفيف من آثارها.
في ضوء ما سبق يوصي الباحث بضرورة إجراء مزيد من الدراسات لتقويم واقع ما تقوم به الحركة الكشفية من أدوار تربوية وتنموية، وللتعرف علي اتجاهات الشباب والفتية نحو الحركة الكشفية وبرامجها، كما يوصي الباحث بضرورة العمل علي تنمية وعي الأفراد والعاملين بالمؤسسات الأخرى في المجتمع بالأدوار التربوية والتنموية لأنشطة الحركة، وتنمية وعي أولياء الأمور بأهمية مشاركة أبناءهم في الأنشطة الكشفية، وتنمية أساليب ووسائل زيادة العضوية في الحركة الكشفية، والتوسع في نشرها لتشمل مختلف البيئات والمناطق.

المراجع
1- عبد الله عبد العزيز الجلال: تربية اليسر وتخلف التنمية، مدخل إلي دراسة النظام التربوي في أقطار الجزيرة العربية المنتجة للنفط - سلسلة عالم المعرفة - العدد (91) - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت - يوليو 1985، ص11.
2- المرجع السابق: ص 15.
3- سعاد خليل إسماعيل: أنماط التعليم غير النظامي - عالم الفكر - المجلد التاسع عشر - العدد الثاني - وزارة الإعلام - الكويت - يوليو/ سبتمبر 1988، ص 120.
4- عبد الله السيد عبد الجواد: مدى إسهام برامج التعليم غير النظامي في التربية-  التنموية بجمهورية مصر العربية - دراسات تربوية- المجلد السادس - الجزء (34) - رابطة التربية الحديثة بالقاهرة - 1991، ص 36.
5- المرجع السابق: ص 56، 57.
6- المكتب الكشفي العالمي: الدستور والقوانين الداخلية المتبعة في المنظمة العالمية للحركة الكشفية - ترجم بمعرفة الإقليم العربي (بدون تاريخ)، ص 1-4.
7- سمير نعيم أحمد: التحديات الاجتماعية للتنمية والمشكلات الاجتماعية في كتاب الدراسة العلمية للسلوك الإجرامي، مقالات في المشكلات الاجتماعية والانحراف الاجتماعي - مكتبة سعيد رأفت - القاهرة - 1969، ص 2-3.
8- أسامة عبد الرحمن: البيروقراطية النفطية ومفصلة التنمية، مدخل إلي دراسة إدارة التنمية في دول الجزيرة العربية المنتجة للنفط - عالم المعرفة - العدد (57) - المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت - سبتمبر 1982.
9- سعيد إسماعيل علي، زينب حسن حسن: في اجتماعيات التربية، ط3، دار الثقافة للطباعة والنشر- القاهرة- 1982، ص256.
10- أسامة عبد الرحمن: مرجع سابق، ص 20-23.
11- المرجع السابق: ص 20.
12- سعد المغربي: التنمية والقيم، مسلمات ومبادئ - مجلة علم النفس - العدد السابع - الهيئة المصرية العامة للكتاب - القاهرة - 1981، ص6.
13- أحمد جمعه حسانين: التربية وتنمية المجتمع، مجلة كلية التربية جامعة أسيوط - المجلد الأول، العدد الثامن - مطبعة جامعة أسيوط - يناير 1992 - ص 381.
14- سعد المغربي: مرجع سابق، ص 6.
15- أسامة عبد الرحمن: مرجع سابق، ص 21.
16- عبد الله عبد العزيز الجلال: مرجع سابق، ص 15.
17- حامد عمار: في اقتصاديات التعليم - المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة، 1984، ص 18.
18- سعيد إسماعيل على، زينب حسن حسن: مرجع سابق، ص 256، أنظر كذلك: حامد عمار، التنمية البشرية في الوطن العربي، المفاهيم، المؤشرات، الأوضاع - دار سينا للنشر - القاهرة - 1992، ص 35.
19- عبد الله عبد العزيز الجلال: مرجع سابق، ص 15 - 16.
20- المرجع السابق: ص 16 - 17.
21- المرجع السابق: ص 18.
* أنظر كذلك:
-        محمد نبيل نوفل: التعليم والتنمية الاقتصادية - مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1979.
-    ثروت عبد الباقي أحمد حبيب: التعليم والتنمية الاقتصادية - بحث مقدم لمؤتمر الشباب والتنمية في منظور الإسلام المنعقد بجامعة المنوفية بالتعاون مع رابطة الجامعات الإسلامية - 17/19 نوفمبر 1990.
-    محمد سيف الدين فهمي: التخطيط التربوي واستراتيجيات التنمية الشاملة في العالم الإسلامي، بحث مقدم لمؤتمر الشباب والتنمية من منظور الإسلام، مرجع سابق.
-    ضياء زاهر: التعليم ونظريات التنمية - دراسة تحليلية نقدية - دراسات تربوية - الجزء الأول، رابطة التربية الحديثة بالقاهرة - نوفمبر 1985.
-    إسماعيل صبري عبد الله: التعليم والتنمية، دراسات تربوية - المجلد الثاني - الجزء السابع - رابطة التربية الحديثة بالقاهرة - يونيه 1987.
-        أحمد جمعه حسانين: مرجع سابق، ص 114.
22- عبد الفتاح جلال: دور التربية والتعليم في التنمية الريفية في البلاد العربية - آراء- السنة التاسعة - العدد الأول - المركز الدولي للتعليم الوظيفي للكبار في العالم العربي بسرس الليان - مارس 1979، ص13.
23- سعاد خليل إسماعيل: مرجع سابق، ص 114.
24- علي حمدان: التعليم غير النظامي، مفهومه وتطبيقاته - مستقبليات - المجلد الحادي والعشرون، العدد الأول، مركز مطبوعات اليونسكو بالقاهرة، 1991 - ص133 - 134.
25- Reimer Everott: “School is dead, Alternatives to Education” Anchor Book Edition, New York, 1972.
26- Illich Ivan: “Deschooling society” Harper and Row, New York, 1970.
* أنظر كذلك:
-        جون لو: تعليم الكبار منظور عالمي - المركز الدولي للتعليم الوظيفي للكبار في العالم العربي بسرس الليان - 1978.
-    طلعت عبد الحميد: صناعة القهر دراسة في التعليم والضبط الاجتماعي - سينا للنشر - القاهرة - 1990.
-    سعيد إسماعيل علي: دعوى لإلغاء المدارس - مجلة الهلال - السنة (98)- العدد الخامس، مؤسسة دار الهلال - القاهرة - مايو 1991، ص 64- 71.
-    إيفان التش: مجتمع بلا مدارس، عرض عبد المجيد عبد التواب شيحه- مجلة كلية التربية - جامعة المنوفية - السنة الأولى - العدد الأول، 1986، ص 267 - 275.
-    عبد الباسط عبد المعطي: التعليم وتزييف الوعي الاجتماعي، دراسة في استطلاع مضمون بعض المقررات الدراسية - مجلة العلوم الاجتماعية - المجلد الثاني عشر - العدد الرابع - جامعة الكويت، شتاء 1984، ص 55 - 77.
27- علي حمداش: مرجع سابق، ص 133.
28- لمزيد من التفاصيل عن مفهوم التعليم غير النظامي وخصائصه ويمكن الرجوع إلي:
-    حسان محمد حسان: الشارع المصري والتربية اللامدرسية، دراسة في اجتماعيات التربية - دار الثقافة للطباعة والنشر - القاهرة - 1980.
-        سعاد خليل إسماعيل: مرجع سابق.
-        علي حمداش: مرجع سابق.
29- عبد السلام الحسيني أحمد الكاشف: الدور التربوي للحركة الكشفية- رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية جامعة المنوفية - 1988، ص 5.
30- المرجع السابق: ص 3.
31- أحمد الشرباسي: الحركة الكشفية عربية الأصول والمصادر - مطبعة جريدة الصباح - القاهرة - أغسطس 1964، ص 11.
32- همام بدراوي زيدان: دور التربية الكشفية لتعزيز الأصالة العربية الإسلامية في ضوء تحديات العصر، المنظمة الكشفية العربية - الأمانة العامة - القاهرة - بدون تاريخ، ص 27.
33- أحمد سعيد المرسي: دور الشباب في تنمية المجتمع - مؤتمر وسائل النهوض بحركة الجوالة بالجامعات والمعاهد العليا، في الفترة من 15 إلي 17 نوفمبر 1980 - المجلس الأعلى للشباب والرياضة - القاهرة 1980، ص 49.
34- المنظمة الكشفية العربية، الأمانة العربية: خطة استراتيجية الحركة الكشفية العربية عام 2000- المختبر الكشفي التربوي - القاهرة - ب،ت، ص 6.
35- أحمد راغب واصف: دور الجوالة في تنمية المجتمع - مؤتمر وسائل النهوض بحركة الجوالة بالجامعات والمعاهد العليا - مرجع سابق، ص 66 - 67.
36- المكتب الكشفي العالمي: مرجع سابق، ص3.
37- جمال خشبة: حركة الجوالة ودورها في تحقيق أهداف المجتمع - مؤتمر وسائل النهوض بحركة الجوالة بالجامعات والمعاهد العليا - مرجع سابق، ص 117.
38- المرجع السابق: ص 117 - 118.
39- محمد نورفاس: تنمية أنشطة الخلاء - الكشاف العربي - العدد الرابع - الأمانة العامة للهيئة الكشفية العربية - القاهرة - يناير 1988، ص 20.
40- جمال خشبة: مرجع سابق ص 119.
41- المكتب الكشفي العالمي: مرجع سابق، ص 2-4.
42- جمال خشبة: مرجع سابق ص 122- 123.
43- سعيد إسماعيل علي، زينب حسن حسن: مرجع سابق، ص 277.
44- إبراهيم بن مبارك الجوير: البطالة في بعض البلدان الإسلامية وأثرها علي إسهام الشباب في التنمية، مؤتمر الشباب والتنمية من منظور الإسلام، مرجع سابق، ص 22.
أنظر كذلك: عبد الفتاح عجوة: البطالة في العالم العربي وعلاقته بالجريمة - المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب - الرياض 1985.
45- مصطفى سويف: العمل في حياة المواطن المصري، مجلة الهلال - السنة (98) الخامس - مؤسسة دار الهلال - القاهرة - مايو 1991، ص 60.
46- حامد عمار: التنمية البشرية في الوطن العربي، المفاهيم، المؤشرات، الأوضاع - مرجع سابق، ص 169.
47- المكتب الكشفي العالمي: مرجع سابق، ص3.
48- جمال خشبة: حركة الكشافة في 78 عاماً- مطبعة نهضة مصر - القاهرة د.ت.ص 49 - 50.
49- جمال خشبة: حركة الجوالة ودورها في تحقيق أهداف المجتمع - مرجع سابق ص 127.
50- تم التعرف علي هذه الوسائل:
-    المنظمة الكشفية العربية، الأمانة العامة، تبادل الخبرات في البرامج (محو الأمية حماية البيئة)، العدد (12) - المختبر الكشفي التربوي - يونيو 1989، ص 10، 11.
-    الأمانة العامة للهيئة الكشفية العربية: الكشاف العربي - العدد الرابع - المختبر الكشفي التربوي، يناير 1988.
-    ________________: الكشاف العربي- العدد الخامس - المختبر الكشفي التربوي، يناير 1989.
-    ________________: الكشاف العربي- العدد السادس - المختبر الكشفي التربوي، أكتوبر 1989.
51- ناصف عبد الخالق: دور المرأة الكويتية في إدارة التنمية - مجلة العلوم الاجتماعية - السنة التاسعة، العدد الرابع، جامعة الكويت، ديسمبر 1981، ص 22.
52- جمال خشبة: حركة الكشافة في 78 عاماً - مرجع سابق ، ص62.
53- المجلس الأعلى للشباب والرياضة: مؤتمر وسائل النهوض بحركة الجوالة بالجامعات والمعاهد العليا - مرجع سابق - تقرير لجنة المناهج، ص 37، 38، تقرير لجنة تنمية المجتمع، ص 84 - 85.
54- همام بدراوي زيدان: مرجع سابق،ص 36.
55- جمال خشبة: حركة الجوالة ودورها في تحقيق أهداف المجتمع - مرجع سابق، ص 140.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق